نشرت وسائل إعلام و حسابات على موقعي إكس وفيسبوك مقطع فيديو يُظهر ماهر الأسد، شقيق رأس النظام السوري المخلوع، في أول ظهور له منذ سقوط النظام في كانون الأول/ديسمبر 2024.
ويبدأ المقطع بامرأة داخل أحد المقاهي تلتفت نحو طاولة مجاورة، قبل أن تتحول الكاميرا إلى رجل جالس يرتدي قميصًا رماديًا ويبدو منهمكًا في تصفّح هاتفه المحمول. وقد أثار الفيديو، في حال صحته، موجة من الجدل والتساؤلات حول هوية الشخص الظاهر فيه، وظروف تصويره ومكانه، ومدى صحة الادعاء المتداول.
وأظهرت نتائج البحث والتحقق عن العناصر البصرية الظاهرة في الفيديو أن المشاهد التُقطت داخل مقهى يُدعى مياتا لاونج ويتميّز بديكور داخلي يحتوي على خريطة مضاءة للعالم على الجدار وأرائك بنية اللون و حوض سمك مميز وجرى التحقق من ذلك من خلال مطابقة اللقطات المأخوذة من الفيديو المتداول مع صور منشورة للمكان ذاته على الإنترنت.
وبحسب نتائج البحث فإن المقهى يقع في العاصمة الروسية موسكو ضمن مجمع أفي مول سيتي التجاري وهو واحد من أكبر المراكز التجارية الحديثة في المدينة ويضم عددًا من المقاهي والمطاعم الراقية ويقع المجمع في قلب مركز الأعمال المعروف باسم موسكو سيتي الذي يُعد من أبرز المعالم العمرانية الحديثة في روسيا في شارع بريسنينسكايا نابيريجنايا رقم 2 ويُشار إلى أن هذا الموقع هو نفسه الذي تناولته صحيفة إسرائيل هيوم في تقرير سابق باعتباره المكان الذي تقيم فيه عائلة الأسد داخل إحدى الشقق السكنية الفاخرة في أبراج موسكو سيتي.
تمكنت منصة تأكد من تحديد هوية المرأة التي تظهر في الثواني الأولى من مقطع الفيديو وهي بروين إبراهيم رئيسة حزب الشباب للبناء والتغيير منذ عام 2012، و استناداً إلى بيانات نشرتها مؤسسة الذاكرة السورية، فإن بروين ربطها علاقات وثيقة بالجانب الروسي حيث ظهرت في لقاءات مع مسؤولين بارزين من بينهم نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف وسبق أن كرّمتها القيادة العسكرية الروسية مرتين تقديراً لتعاونها مع مركز المصالحات وتُعرف بتنقلها المتكرر بين موسكو ودمشق
كشف البحث المتقدم باستخدام الكلمات المفتاحية أن قناة رووداو أجرت مقابلة باللغة الكردية مع بروين إبراهيم، أكدت فيها ماورد بالفيديو المتداول بأنه يُظهر ماهر الأسد داخل أحد المقاهي في موسكو. وأوضحت إبراهيم خلال المقابلة التي أدارها الإعلامي دلبخوين دارا، أن اللقاء كان بمحض الصدفة، عندما دخلت إلى مقهى في مجمع موسكو سيتي برفقة شخص تعرفه، ولاحظت وجود رجل يبدو مألوفًا، فطلبت من مرافقها تصويره بينما كان منشغلاً بهاتفه. وأضافت أن المقطع سُجّل يوم 4 حزيران/يونيو 2025، أي قبل نحو أسبوعين من عودتها إلى دمشق، وأن من نشر الفيديو لاحقًا هو ابن الشخص الذي كان برفقتها.
و أكدت بروين أن المقهى يقع على بُعد نحو عشرين كيلومتراً فقط من مقر الأركان الروسية داخل مجمع أفي مول سيتي، مشيرة إلى أن عائلة الأسد تقيم بالفعل في إحدى شقق المجمع نفسه، وهو ما كانت قد أوردته تقارير صحفية سابقة. واستغربت من ردود الفعل الواسعة التي رافقت انتشار الفيديو، معتبرة أن وجود ماهر الأسد في موسكو ليس بالأمر الغريب في ظل تواجد نحو 150 ضابطًا سابقًا من النظام السوري في موسكو، بينهم علي مملوك، أحمد ديب وجميل حسن، ويقيمون جميعاً في موسكو.
كما كشفت بروين أن ماهر الأسد نُقل سابقاً من حلب إلى موسكو بطائرة خاصة بتنسيق مع عضو شيشاني في البرلمان الروسي، وأنه إلى جانب شقيقه بشار يديران مشاريع مالية كبيرة منذ ثمانينيات القرن الماضي تعتمد على أموال مهرّبة بالدولار، ولديهم كذلك استثمارات في الإمارات تُدار برعاية رامي مخلوف. واختتمت بالقول عن مقطع الفيديو إن ظهوره شكّل صدمة لبعض مؤيدي النظام، بعدما أظهر ماهر الأسد يعيش حياة مرفّهة في الخارج، على عكس ما يُروّج له من صورة المنقذ أو الزعيم العائد.
شهدت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي خلال الأشهر الماضية تداولًا واسعًا لشائعات متضاربة حول مكان اختباء ماهر الأسد بعد سقوط النظام في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، من بينها ادعاءات بوجوده في لبنان وإقامته في فنادق فاخرة، وأخرى تحدّثت عن تنقلاته داخل الأراضي العراقية، وهو ما نفته الحكومة العراقية رسمياً. كما زعمت حسابات موالية للنظام المخلوع في 24 كانون الثاني/يناير 2025 أن الفصائل العسكرية التابعة للإدارة السورية الجديدة انسحبت من مدينتي اللاذقية وطرطوس، مدعية أن هناك مؤشرات على تحرّك الطيران الروسي وعودة ماهر الأسد إلى الساحل السوري. و وصفت السلطات السورية الجديدة هذه الشائعات بأنها محاولة لإثارة الرعب والارتباك في صفوف السكان.
وبينما استمرت هذه الفرضيات في التداول دون أي دليل موثق، جاء الفيديو المتداول والمقابلة التي أجرتها قناة رووداو مع بروين إبراهيم لتكشف تفاصيل جديدة وتضع حدًا للتكهنات، إذ أكدت إبراهيم أن الشخص الظاهر في المقطع هو ماهر الأسد، وأن الفيديو صُوّر بتاريخ 4 حزيران/يونيو 2025 داخل أحد المقاهي في مجمع موسكو سيتي، ما يشير بوضوح إلى أن ماهر الأسد يقيم خارج سوريا في بيئة مدنية، بعيدًا عن المشهد العسكري والسياسي المباشر.