
اعتقال (والي دمشق) في عملية أمنية بمدينة المعضمية
أعلنت السلطات الأمنية تنفيذ عملية في ريف دمشق أسفرت عن القبض على شخص متهم بالانتماء لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وضبط مواد يُشتبه باستخدامها في أنشطة مسلحة.



تعصف في المحافظات السورية المختلفة موجة أمراض تنفسية حادة تتسم بسرعة عدوى لافتة وأعراض جسدية مجهدة. وبالرغم من مرور المنطقة بموسم أمراض الشتاء المعتادة، إلا أن تسجيل وفاة طفل لم يتجاوز عامه الأول في قرية "الحوايج" بريف دير الزور الشرقي، نقل حالة الترقب إلى إطار نفسي أخرج المرض عن نطاق "الإنفلونزا التقليدية" مسترجعاً ذكريات فايروس "كورونا".
مما يطرح في الساحة الطبية مجموعة من التساؤلات حول طبيعة الفيروس المنتشر؛ وما إذا كانت البلاد تواجه سلالة إنفلونزا موسمية حادة معتادة، أم متحوراً جديداً من فيروس "كورونا".
أكد الدكتور محمد نور شباب من الرئاسة المشتركة لهيئة الصحة في شمال وشرق سوريا في تصريح خاص لمنصة "تأكد"، أن ما ينتشر في المنطقة هو "هجمة إنفلونزا من سلالة H3N2 وليست من سلالات كورونا". ووصف شباب هذه الهجمة بأنها "بسيطة إلى متوسطة"، مشيراً إلى أن سرعة العدوى الكبيرة هي السمة الأبرز، لكن نسبة الوفيات تظل "نادرة جداً وأقل من المقاييس العالمية".
وأوضح أن الفايروس منتشر في أغلب المحافظات السورية بحكم حركة السفر والعمل، مؤكداً أن "قرار الحجر العام" لا يوجد إجماع عليه حالياً في مقاطعات "الإدارة الذاتية"، لكنه حق لكل مقاطعة بناءً على مصلحتها. وفي هذا السياق، برّر شباب إغلاق بعض المدارس بالتنسيق مع هيئة التربية بأنه "إجراء تنظيمي" لضمان عدم ضياع الدروس على الطلاب المصابين الذين اضطروا للتغيب، وليس حجراً صحياً شاملاً.
أما فيما يخص التقارير حول الوفيات، وتحديداً في قرية "الحوايج" وغيرها، اعتبر "شباب" أن تسجيل وفاة طفلين أو ثلاثة ضمن الجغرافية الكاملة لمنطقة سيطرة الإدارة الذاتية لا يعد خروجاً عن المألوف في ظل الأعداد الكبيرة للمصابين، مرجحاً أن تكون الإصابة بالإنفلونزا قد فاقمت حالات مرضية "مخفية" أو ضعفاً في المناعة لدى هؤلاء الأطفال، مؤكداً أنه لا يمكن الجزم بأن الإنفلونزا كانت السبب الوحيد والمباشر للوفاة دون دراسة كل حالة على حدة.
وبخصوص العلاج، أكد شباب أنه "تقليدي" يعتمد على الراحة والسوائل، مع التحذير من استخدام الصادات الحيوية إلا في حالات الإنتان الجرثومي الثانوي، مشيراً إلى أن استخدام "المضادات الفيروسية" النوعية يبقى محصوراً في الحالات النادرة جداً داخل المشافي تحت إشراف اختصاصي.
عززت وزارة الصحة السورية الرواية المرتبطة للإنفلونزا، حيث كشف نظام الترصد الوطني عن ارتفاع نسبة الإيجابية المخبرية للأمراض التنفسية إلى 45.3%. وأكدت النتائج المخبرية سيطرة شبه كاملة لفيروس الإنفلونزا A بنسبة 93%، ومعظمها من النمط الفرعي (H3N2)، مقابل حضور محدود لفيروس كوفيد-19 لا يتجاوز 7% .
ولا يبدو هذا المشهد السوري معزولاً عن الواقع الدولي؛ إذ يتقاطع التشخيص المحلي مع تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في 10 كانون الأول/ديسمبر 2025، والذي رصد زيادة عالمية في نشاط الإنفلونزا مع غلبة واضحة لفيروس H3N2 . وتشير المنظمة إلى رصد زيادة سريعة منذ آب/أغسطس 2025 لسلالة فرعية جديدة من هذا النمط في أكثر من 34 دولة، تتميز بتغيرات جينية وتطور ملحوظ في الفيروس.
ورغم شراسة السلالة الحالية، أكدت وزارة الصحة السورية أن الحالات الشديدة لا تزال ضمن "المستويات المتوقعة" سنوياً، معلنةً في الوقت ذاته عن رفع الجاهزية عبر توسيع أقسام العناية وتأمين أجهزة تنفس إضافية. كما وجهت بالبدء المبكر بالعلاج بالمضاد الفيروسي "أوسيلتاميفير" للحالات الحرجة دون انتظار نتائج المختبر، وهو ما يتماشى مع نصائح المنظمة العالمية بالتركيز على الرعاية السريرية للفئات الأكثر عرضة للخطر.
وفي حين لم تشر منظمة الصحة العالمية إلى زيادة في شدة المرض الناتجة عن السلالة الجديدة حتى الآن ، إلا أنها حذرت من أن الأوبئة الموسمية قد تضع ضغطاً كبيراً على أنظمة الرعاية الصحية. وهذا يبرر بيان الصحة السورية على ضرورة الالتزام بالإجراءات الوقائية ومراجعة المراكز الصحية فور ظهور الأعراض، خاصة لدى كبار السن والأطفال وذوي الأمراض المزمنة، لضمان السيطرة على العدوى وتقليل فرص حدوث المضاعفات.
في مقابل الرواية الرسمية، يرى الدكتور نبوغ العوا الاختصاصي في أمراض وجراحة الأذن والأنف والحنجرة في تصريح طبي لمنصّة "تأكد، أن الفايروس المنتشر في سوريا حالياً هو "متحور مشتق عن الكورونا"، مؤكداً وجوده في الكثير من دول العالم. ويوضح العوا أن الإصابات تتخذ شكلين؛ الأول يسبب أعراضاً تنفسية علوية تشمل سعالاً شديداً، وآلاماً في البلعوم واللوزات، والتهاب الجيوب الأنفية والحنجرة مع بحة صوت مترقية، بينما يظهر نوع آخر من الفايروس بأعراض هضمية تشمل ألم ومغص البطن، الغثيان، الإقياء، والإسهال.
ويرى العوا أن الفارق الجوهري بين هذه الموجة و"الإنفلونزا" يكمن في شدة الأعراض، حيث تظل فرصة إصابة الرئة في حالات الإنفلونزا العادية نادرة جداً. ويحذر من خطورة إهمال العلاج أو التأخر فيه، لأن ذلك قد يؤدي لامتداد الفيروس إلى الرئة مسبباً "ذات رئة" ونقصاً حاداً في الأكسجة، وهي حالات غالباً ما تتطلب وضع المريض على المنفسة لتحسين أكسجته، وإلا تنتهي بالوفاة، معقباً: "حتماً الأعمار بيد الله سبحانه، لكنه خطير في حال وصوله للرئة".
أما فيما يخص سبل التعامل مع الإصابة، فيشدد العوا على ضرورة الإسراع بمراجعة الطبيب المختص ذي الخبرة في معالجة ومتابعة "الكورونا"، مع الالتزام التام بأخذ الأدوية لمدة لا تقل عن عشرة أيام. كما ينصح بالعودة لإجراءات الوقاية الشخصية والابتعاد عن المصابين، والعناية بنظافة اليدين، وارتداء الكمامة عند التواجد في الأماكن العامة المزدحمة كالمساجد والكنائس والمدارس والجامعات والأسواق، وتجنب المصافحة اليدوية أو التقبيل للحد من انتشار العدوى التي تنتقل عبر الرذاذ.
وفي تقييمه للإجراءات العامة، يرى العوا أن الوضع الصحي الحالي "لا يحتاج لإجراءات حجر عامة"، إلا في حال زيادة نسبة المرضى وبلوغ المرض شكل الجائحة. ويؤكد أن نشر الوعي الصحي عبر الندوات والإعلام ووزارة الصحة سيساعد في تقليل الإصابات، مشيراً إلى أن الوعي والوقاية هما السبيل الأهم للسيطرة على انتشار الفيروس وتجنب وصول الحالات إلى مراحل الخطورة والمضاعفات الرئوية.
في المحصلة، تتقاطع البيانات الرسمية في سوريا مع تقارير منظمة الصحة العالمية لتؤكد أن البلاد تواجه موجة إنفلونزا، والتي تمر بتطور جيني عالمي زاد من سرعة انتشارها. وبالرغم من أن أرقام الوفيات تظل "نادرة جداً" وضمن المعدلات المتوقعة ، إلا أن ذلك لا يلغي مشروعية المخاوف الطبية التي يطرحها الأطباء؛ إذ تعكس رؤيتهم السريرية "شراسة" الأعراض التي تحاكي مضاعفات كورونا في إصابة الرئة ونقص الأكسجة، مما يستوجب تعاملاً طبياً حذراً يتجاوز تشخيص "الزكام العادي" .
و إن الجدل الدائر حول نوع الفايروس يجب ألا يصرف الأنظار عن حقيقة أن الوقاية هي الثابت الوحيد؛ فالسلالة الحالية —سواء كانت إنفلونزا متطورة أو متحوراً جديدأ لكورونا— تضع ضغوطاً حقيقية على القطاع الصحي وتتطلب التزاماً جاداً بإجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي. وفي ظل هذا التباين في التوصيف، يظل الوعي هو طوق النجاة لتجنب المعلومات المضللة، مع التأكيد على أن المراجعة المبكرة للطبيب والالتزام بالبروتوكولات الوقائية هما السبيل الأضمن لحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر وتجاوز هذه الموجة بأمان.