
سيرغي لافروف لم يهاجم التحقيق الصحفي الذي كشف بيانات جديدة حول المعتقلين
ادعت حسابات في فيسبوك أن وزير الخارجية الروسي هاجم التحقيق الاستقصائي الذي كشف بيانات جديدة حول المعتقلين في سوريا، إلا أن الادعاء مُلفّق.


شهدت بيئة المعلومات في سوريا خلال العام حالة اضطراب غير مسبوقة رافقت مرحلة ما بعد سقوط النظام، إذ تداخلت ثلاثة عوامل رئيسية:
فتح هذا المشهد الباب أمام موجة واسعة من الروايات المتناقضة بشأن الأحداث، في ظل غياب مرجعيات مهنية قادرة على الضبط، واعتماد الجمهور على مصادر فردية وغير موثوقة. وأظهرت بيانات (تأكد) أن أكثر من 85% من المحتوى المتداول كان ذا خطورة عالية أو متوسطة، ما جعل البيئة المعلوماتية شديدة الهشاشة وسريعة التأثر بالشائعات والتحريض.
في هذه الظروف، باتت الشائعات تتفوّق على الأخبار الموثوقة، وتزايد استخدام الصور والفيديوهات خارج سياقها، كما أصبحت إعادة تدوير المقاطع القديمة، خصوصاً تلك المرتبطة بالعنف، أداة مركزية في تغذية الانقسامات وتأجيج التوتر بين المجتمعات المحلية.
استناداً إلى تحليل (تأكد) لآلاف الادعاءات خلال العام 2025، يمكن تلخيص أبرز الاتجاهات التضليلية في النقاط الآتية:
اعتمدت منصة (تأكد) في عملها على المنهجية الرسمية التي أقرّها مجلس الإدارة بتاريخ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، والتي تشكّل الإطار الناظم لعمليات التحقق وجمع المعلومات وتحليل المحتوى.
تركّز المنهجية على مجموعة من التعريفات الأساسية، تشمل تحديد مفهوم المنصة والمحتوى والمصادر والمرجعيات، بما يضمن وضوحاً معيارياً في جميع مراحل العمل. وفي سياق التعامل مع الكم الهائل من المعلومات عبر الإعلام ووسائل التواصل، تعتمد المنصة نظام أولويات يأخذ في الاعتبار:
في مراحل تحليل المحتوى، تعتمد المنصة على مرجعيات موثوقة تشمل:
كما تستند عملية التحليل إلى مهارات المحقق وخبراته المهنية، وتشمل:
وفي مرحلة التقييم النهائي، تخضع المواد المنشورة لمراجعة منهجية تضمن اتساقها مع المعايير الأخلاقية والتقنية للمنصة، وتسمح بقياس دقة العمل وتصويب الأداء عند الضرورة.
أدّى سقوط النظام السوري إلى تحوّل المشهد الإعلامي إلى واحدة من أكثر البيئات اضطراباً في المنطقة، حيث تداخلت ثلاثة عوامل رئيسية: الفراغ الإعلامي الجزئي، والتنافس السياسي والمناطقي، وتضخّم مصادر المعلومات غير الموثوقة.
مع انهيار الماكينة الإعلامية في سوريا وخصوصاً الإعلام الرسمي الذي ظل طوال حقبة حكم البعث مرجعاً شبه وحيد للكثير من السوريين لأسباب أبرزها الخوف وغياب الثقافة الإعلامية، نشأ فراغ واسع سارعت جهات مختلفة إلى ملئه، بعضها محلي وبعضها خارجي وبعضها مجهول تماماً.
فتح هذا الفراغ الباب أمام حرب معلومات مفتوحة، ودخلت جهات كثيرة إلى الساحة الرقمية لإعادة تعريف الواقع السوري وفق رؤاها، بدءاً من الفصائل المسلحة، مروراً بالواجهات السياسية، وصولاً إلى شبكات تضليل عابرة للحدود. أدى ذلك إلى انتشار روايات متناقضة حدّ الصدام حول الأحداث، غالباً ما قُدّمت بوصفها "حقائق مؤكدة" دون أي استناد إلى مصادر قابلة للتحقق.
رصدت منصة (تأكد) تصاعداً حاداً في المحتوى الطائفي بعد سقوط النظام، خصوصاً من حسابات مجهولة ومجموعات سياسية سعت إلى إعادة تشكيل الخنادق القائمة قبل 8 كانون الأول/ديسمبر 2024. اعتمدت هذه الجهات خطاباً يقوم على التخويف ورسم سيناريوهات انتقام وثأر، بما يخدم مشاريع سياسية تهدف إلى فرض هيمنة على مناطق معينة أو كسب دعم خارجي.
شهدت المنصات الاجتماعية ولادة آلاف الحسابات الوهمية التي لعبت دوراً محورياً في تشكيل المزاج العام. كثير من هذه الحسابات تم تشغيله بصورة منسَّقة، بعضها مرتبط بغرف عمليات سياسية أو طائفية وبعضها مدفوع من جهات إعلامية إقليمية تحاول التأثير على مستقبل سوريا. وقد تسبب ذلك في تزييف صورة الرأي العام ودفع الناس إلى مواقف مبنية على معلومات غير موثوقة.
المؤسسات الإعلامية البديلة القادرة على سدّ الفراغ الإعلامي لم تكن كافية. الإعلام المستقل الذي بدأ يتشكل عقب انطلاق الثورة السورية بات مترهلاً ومشتتاً بسبب عوامل عدة، أبرزها محدودية التمويل الذي انخفض تدريجياً مع مرور الوقت. ومع نقص المرجعيات، تحوّل المشهد إلى ساحة مفتوحة للاجتهادات الفردية، حيث أصبحت الأخبار تنتقل من حسابات شخصية أكثر مما تنتقل من غرف أخبار محترفة.
شكّل المحتوى التحريضي ظاهرة واسعة، استخدمت فيها عمليات تسريب وتشويه سمعة وبثّ إشاعات تستهدف ناشطين وصحفيين وشخصيات عامة. أصبح اغتيال السمعة جزءاً من أدوات السيطرة على الفضاء العام، لا مجرد ظاهرة هامشية.
بعد سقوط النظام، شهد المشهد السوري موجة حادة من الاستقطاب السياسي والطائفي تعزّزت بشكل لافت عقب أحداث الساحل والسويداء، حيث تحوّلت هذه الأحداث إلى وقود لروايات متضادة استُثمرت في شدّ العصب وإعادة تشكيل الخنادق. أسهم هذا الاستقطاب في تحويل أي واقعة إلى مادة قابلة للتجييش الفوري، وخلق بيئة شديدة الهشاشة تتضخم فيها الشائعات بسرعة وتُستثمر فيها المخاوف الجماعية.
للمرة الأولى منذ عقود، وجد السوريون أنفسهم بلا مرجع رسمي ولا مؤسسات وسيطة قادرة على توجيههم. ومع غياب الجهات المخوَّلة بالتصحيح، تحوّل التحقق من الأخبار إلى مهمة فردية يقوم بها مستخدمون بلا أدوات أو خبرات، ما أدى إلى انتشار بيئة معلوماتية شديدة القابلية للتلاعب.
دخلت قوى سياسية ومجموعات مدنية في سباق لصياغة رواية المرحلة الجديدة بعد سقوط النظام، واستُخدمت المعلومات أداة لإعادة هندسة الوعي. أنتج هذا التنافس موجة ضخمة من التضليل ترتبط بصراعات النفوذ أكثر مما ترتبط بالواقع الفعلي على الأرض.
تكشف البيانات الإجمالية للمواد التي عملت عليها منصة (تأكد) خلال عام 2025 عن مشهد معلوماتي شديد الاضطراب، تتصدره المواد المضللة والكاذبة بالكامل.
دلالات النتائج تُظهر هذه المؤشرات أن أكثر من 86٪ من المحتوى الذي تعاملت معه المنصة كان إمّا كاذباً تماماً أو مضللاً جزئياً، ما يعكس حجم التحدي الذي يواجه البيئة الرقمية السورية بعد التحولات السياسية الأخيرة. كما تؤكد البيانات أن المشهد الإعلامي في 2025 كان بيئة خصبة لانتشار الادعاءات الملفقة وإعادة تدوير المواد القديمة وإخراجها من سياقاتها، إضافة إلى ازدياد توظيف الأخبار المضللة لتحقيق مكاسب سياسية أو دعائية.
أظهر تحليل المواد التي رصدتها منصة (تأكد) خلال عام 2025 أن السلطة الانتقالية كانت الجهة الأكثر استهدافاً بالادعاءات، حيث شكّلت المواد المتعلقة بها 53.4٪ من إجمالي المحتوى الذي خضع للتحقق.
دلالات النتائج تشير هذه النتائج إلى أن البيئة الإعلامية خلال الفترة المدروسة كانت مشبعة بخطاب مضلل يستهدف جميع الأطراف بلا استثناء مع تفاوت بالكم والنوع. كما تؤكد أن:
أبرز أشكال التضليل التي رصدتها المنصة:
تُظهر بيانات الجهات التي قدّمت معلومات كاذبة أو مضللة أن حملات التضليل خلال عام 2025 لم تكن حكراً على طرف واحد، بل توزّعت على طيف واسع من الفاعلين الرقميين:
دلالات النتائج يُبيّن هذا التوزّع أن التضليل لا يتبع خطاً سياسياً واحداً، بل يصدر من مختلف الأطراف النشطة في المشهد السوري. كما يؤكد أن المنصة تتعامل مع التضليل كظاهرة عابرة للانتماءات السياسية، وتخضع جميع الجهات للمنهج الرقابي نفسه.
اعتمدت منصة (تأكد) في قياس خطورة الادعاءات المتداولة خلال عام 2025 على ثلاثة مستويات رئيسية تطابق نظام التصنيف اللوني:
مما تجدر الإشارة إليه إلى أن التوازن العددي المُشار إليه لا يعكس بالضرورة الخطورة القائمة في الادعاءات إذ تمثل نسبة الادعاءات ذات الخطورة العالية مؤشرا خطيرا على تفخيخ الفضاء العام بأسباب الانفجار الداخلي.
تُظهر البيانات أن المنصة تعاملت مع عدد كبير من المواد الموزعة على النحو الآتي:
الدلالات العامة
تشير البيانات إلى أن التضليل في السياق السوري كان ذا طابع منصّاتي واضح، لكنه لم يتوزع بشكل متساوٍ بين المنصات. ويمكن تفسير ذلك بعدة عوامل، أبرزها اعتماد غالبية السوريين على فيسبوك كمصدر رئيسي للمعلومات. كما تجدر الإشارة إلى أن كثيراً من المحتوى المتداول على فيسبوك مصدره مجموعات مغلقة على تيليغرام وواتس آب تُعد نقطة الانطلاق الأساسية لانتشار الشائعات.
أبرز الدلالات
التضليل متعدد القنوات، ويعتمد على انتشار متزامن عبر منصات مختلفة.
يتناول هذا القسم القضايا الأبرز التي شكّلت محوراً لحملات تضليل واسعة، مع أمثلة على الادعاءات وطرق تفنيدها.
ترافقت أحداث الساحل مع ادعاءات مضللة منها ما أنكر وقوع الضحايا، وقد عملت (تأكد) على إثبات إحدى الحالات التي ادُعي أنها صورة قديمة، فتحققت بالمطابقة والتحليل البصري لموقع الجريمة. ومن الادعاءات ما استخدم صوراً من سياقات أخرى لتضخيم الانتهاكات الواقعة مثل صور الجثث المتراكمة التي أثبت البحث العكسي أنها تعود لتشييع أربعة عناصر من الأمن في إدلب، وقعوا في الأحداث نفسها.
وكصدى تالٍ للأحداث، أُشيع بلا أي دليل أن جثثاً عُثر عليها على سواحل طرابلس وغيرها؛ تعود لضحايا أحداث الساحل، كما أشيع أن الأمن العام في طرطوس هدد النازحين الذين رفضوا العودة عقب استقرار الأوضاع، وهو ما عملت (تأكد) على تفنيده بالأدلة القطعية التي أثبتت زيفه.
في خضم أحداث السويداء تبادل طرفا النزاع فيديوهات ادعي أنها تُظهر الاعتداء على المدنيين وترويعهم، وكذلك تعذيب معتقلين.كما أن أطرافاً خارجية، مثل السياسي اللبناني وئام وهاب، لعبت دوراً في تضخيم الأحداث بنشر مقاطع من سياقات أخرى زاعمين أنها تُظهر قصفاً وحشياً نفذته القوى التابعة لل على السويداء، وقد عملت منصة (تأكد) على التحقق من هذه المواد البصرية وكشف حقيقتها، سعياً للحد من هذا التضليل الذي أجج النزاع.
كذلك تبادل الطرفان ادعاءات حول "التواطؤ مع إسرائيل" خلال الأحداث ، فتارة زعم أن إسرائيل نسّقت مع الحكومة السورية لاستهداف العشائر وتبين أن هذا الادعاء مُلفّق، وتارة زُعم أن مقاتلين إسرائيليين نفذوا إنزالاً مظلياً في السويداء، وأُرفق الادعاء بمقطع فيديو أظهر البحث أنه يعود لتدريب قوى إسرائيلية.
منذ الإعلان عن توقيع اتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، يجري تداول ادعاءات حول الإعلان عن انتهاء مسار التفاوض وتبادل التهديدات بين مسؤولين من الطرفين، إضافة لادعاءات حول تحركات عسكرية واسعة النطاق، وأرتال عسكرية تتوجه لمناطق قسد وتحتشد على حدودها، بما يهدف لتقويض الاتفاق والإيحاء بضيق سبل تطبيقه، وقد عملت منصة (تأكد) على تفنيد هذه الادعاءات المضللة والتحقق من المواد البصرية المرافقة لها، وكذلك تفنيد التصريحات المزعومة.
تلقى الادعاءات التي تزعم وقوع اعتداءات على المواقع الدينية رواجاً واسعاً، بما يُرافقها من حساسيات طائفية وتحريض. تشمل هذه ادعاءات وقوع استهداف أو هدم مقامات وأماكن دينية لمكونات مختلفة، منها التحريض الذي رافق فيديو احتراق مقام الخصيبي فأجج احتجاجات على الأرض بمزاعم أنه حديث، ومنها ادعاءات استهداف كنائس مثل رومانس المرنم في حمص ومار تقلا في اللاذقية، وكذلك ادعاءات متكررة حول هدم مقام السيدة زينب ومزارات شيعية، أثبتت منصة (تأكد) زيفها وعملت على التحقق منها بوسائل مختلفة منها إفادات المراسلين الميدانيين والتواصل مع شهود ومصادر معنية.
من ناحية أخرى، أُنكر استهداف مئذنة جامع في السويداء وروّج للأمر على أنه حادث غير مقصود تستنكره القوى الفاعلة، لكن تحقيقاً معمقاً أجرته منصة (تأكد) أثبت الاستهداف المتعمد وكشف هوية المنفذين.
منذ سقوط نظام الأسد، جرى تداول الكثير من الادعاءات المضللة حول إزالة العقوبات أو رفعها المشروط، فضلاً عن ادعاءات أخرى استهدفت مظاهر الاعتراف الدولي واستخدام "العلم الجديد"، في محاولة لتقويض مسار التعافي والتقليل من الجهود المبذولة لاستعادة مكانة سوريا عالمياً، وقد تحققت منصة (تأكد) من هذه الادعاءات وفنّدتها، كما أوضحت في كثير من الأحيان طبيعة التغييرات والقرارات المتخذة، في تقارير تهدف للتصدي الاستباقي وتحرص على تقديم الحقائق.
في سياق العدوان الإسرائيلي المتكرر على سوريا، تُستجلب مقاطع ضربات قديمة أو من سياقات مكانية أخرى، وتُنسب إلى مناطق سورية مختلفة، كما لُفّقت ادعاءات حول تنفيذ القوات الإسرائيلية إنزالاً جوياً في مناطق كسوة وريف حمص وغيرها، وادعاءات حول ضرب أحياء في دمشق، أو وصول القوات الإسرائيلية لمشارفها، وكذلك دخول الجيش الإسرائيلي للمسجد الأموي، وهو ما عملت منصة (تأكد) على التحقق منه بالبحث وتقديم الأدلة.
إضافة إلى التضليل حول حادثة استهداف مبنى هيئة الأركان ووزارة الدفاع، باستخدام صور لا تمت للحادثة بصلة، وتلفيق مقتل مسؤولين إثر الاستهداف.
بذلت منصة (تأكد) جهوداً كبيرة في دحض الأكاذيب التي أُطلقت للتشويش على ملف المعتقلين، إيماناً منها بأن الشهادات والروايات المفبركة تضر بالسردية الحقوقية، كان أهمها قضية تقرير CNN المفبرك، وكذلك التحقق من عدة ادعاءات تُثار حول سجن صيدنايا وإظهار حقيقتها. تحققت المنصة كذلك من ادعاءات مُلفقة حول اكتشاف مقابر جماعية جديدة، وحذّرت من الانسياق وراء "تسريبات" قوائم للمعتقلين يُروّج لها عبر روابط احتيالية.
القرارات المُلفقة ووثائقها المفبركة أربكت الجمهور السوري، إثر فجوة تركها غياب الإعلام الرسمية، مما فتح المجال لتداول الكثير من الإشاعات التي وجدت في تطبيقات المراسلة ومواقع التواصل بيئة خصبة للنمو والانتشار، وهو ما عملت منصة (تأكد) على رصده وتتبعه، والتحقق منه بكشف الثغرات التي تفضح زيف الوثائق، وتقديم الإجابات والتوضيحات من المصادر الرسمية، والتشجيع على استقاء الأخبار حول القرارات الصادرة من الجهات المسؤولة والموثوقة، وبرز في هذا الجانب القرارات المُلفّقة المتداولة حول القضايا الاقتصادية، وخصوصاً ما يتعلق بالعملة والأسعار.
شغلت الادعاءات المضللة حول حوادث الخطف مساحة واسعة في الفضاء السوري، منها ما هدف لإنكار حوادث موثقة أو استغلالها طائفياً، ومنها ما قدّم قصص مختلقة حول "السبي" وروّج لقصص وهمية بأسماء مختلقة وصور مسروقة لشخصيات من الإنترنت، فعملت منصة (تأكد) في العديد من التحقيقات المعمقة على تحليل أمثلة من هذه الادعاءات وتتبع مصيرها وكشف حقيقتها.
بينما تلتهم النيران مساحات خضراء واسعة من الغابات السورية، اشتعل في مواقع التواصل تضليل ممنهج مادته تبادل الاتهامات حول افتعال الحرائق بدوافع سياسية أو انتقامية، كما روّج لمحتوى ومعلومات مضللة حول حجم ومساحة الحرائق، ووجه اتهامات لفرق الإنقاذ بالتقصير والإهمال، في محاولة للتقليل من عملها وجهودها المبذولة. تصدّت منصة (تأكد) لهذه الادعاءات بالتحقق من المواد البصرية التي ثبت أنها من سياقات أخرى، وكذلك بتقديم الحقائق حول كارثة الحرائق التي تتكرر كل عام.
رصدت منصة (تأكد) عملاً ممنهجاً لإعادة تدوير إصدارات تنظيم "داعش" على أنها تُظهر ممارسات السلطة الحالية، كما استخدمت صور أشخاص آخرين ينتمون لتنظيمات مختلفة على أنها تعود لمسؤولين حاليين وتوثق أفعالهم في الماضي، وقد تحققت المنصة منها بطرق التحليل والمطابقة، وعرّفت هوية الأشخاص الحقيقية.
من جانب آخر، رُصد استهداف السلطة بمزاعم خروج احتجاجات ضدها في مناطق مختلفة من سوريا، واستُخدم لدعم هذه الادعاءات تضخيم احتجاجات قديمة من المناطق المحررة سابقاً، وإعادة نشر مقاطعها باعتبارها حديثة.
شهد العام 2025 حملة واسعة ومنظمة استهدفت مدير المنصّة عقب نشر تحقيق يكشف تضليلاً يتعلق بمجزرة ارتُكبت بحق عائلة في السويداء. وقد ترافقت الحملة مع نشر معلومات شخصية وصور خاصة، وترويج روايات ملفّقة تربطه بجهات سياسية أو استخباراتية، إضافة إلى اجتزاء تصريحات ومحتوى سابق وإعادة توظيفه في سياقات مزيفة. كما تم استخدام أساليب نفسية تقوم على التشويه، والتخوين، والتحريض المباشر على الكراهية، بهدف تقويض ثقة الجمهور بالمنصة وإضعاف حضورها الرقابي.
ويُظهر تحليل هذه الحملة أنها لم تكن فعلاً عشوائياً أو ردّ فعل غاضباً، بل اتّبعت نمطاً منهجياً ينسجم مع ما تتعرض له شخصيات صحفية ومدنية عديدة في سوريا. هذا النمط يشمل عادةً: بناء رواية ملفقة، نشر سلسلة من الاتهامات غير الموثقة، تنشيط حسابات وهمية لتضخيم المضمون، إعادة تدوير الادعاءات عبر منصّات متعددة، واستهداف الحياة الخاصة لتقويض صورة الشخص في الوعي العام. ويهدف هذا المسار إلى خلق حالة ضغط اجتماعي ونفسي تجعل الضحية في موقف دفاع مستمر، بما يحدّ من قدرتها على أداء دورها المهني أو العام.
وتبرز أهمية اختيار هذه الحالة في التقرير في كونها مثالاً واضحاً على أن الاستهداف لا يطال جهة سياسية بعينها، بل يشمل كل من يعمل في المجال العام، لا سيما من يسهمون في كشف التضليل أو يمتلكون تأثيراً على النقاش العام. ولتفادي مضاعفة الأذى على أيٍّ من النشطاء والصحفيين الذين تعرضوا لاستهداف مشابه، اختار التقرير التركيز على هذه الحالة بوصفها نموذجاً تحليلياً يمكن تعميمه على حالات أخرى، مع التأكيد أن ما واجهه مدير المنصّة يعكس واقعاً يتكرر بحق عشرات الصحفيين والفاعلين السوريين داخل البلاد وخارجها.
وتقدم هذه الحالة دليلاً إضافياً على الترابط الوثيق بين حملات التضليل وحملات الاغتيال المعنوي، إذ تُستخدم المعلومات الكاذبة أو المجتزأة كأداة مباشرة لإضعاف الثقة بجهات رقابية أو مدنية، وخلق بيئة عدائية تعيق عملها. كما تُبرز الحاجة المتزايدة إلى وضع آليات حماية رقمية ونفسية للصحفيين والعاملين في مجال التحقق، وتعزيز ثقافة التضامن المهني، ومطالبة منصّات التواصل باتخاذ إجراءات أكثر حزماً ضد التحريض الشخصي.
الاعتماد الخاطئ على أدوات البحث العكسي ومقارنات الصور كان نمطا من أنماط التضليل في الساحة السورية، حين تحولت التقديرات الفردية أو المقارنات السطحية إلى "أدلة" جرى تضخيمها لإرباك الرأي العام أو توجيهه سياسياً. وتقدّم قضية الصورة التي ظهر فيها الطفل إبراهيم شاهين — أحد ضحايا المجزرة التي وقعت في قرية حرف بنمرة بريف بانياس — مثالاً بارزاً على هذه الظاهرة.
فمع انتشار الصورة تزامناً مع الأنباء الواردة عن المجزرة التي ارتُكبت في أول أيام عيد الفطر، سارع مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التشكيك في صحتها، مدّعين أنها قديمة أو مأخوذة من سياق آخر، مستندين إلى مقارنات غير دقيقة وعمليات بحث عكسي سطحية لا تعتمد على التحقق المهني. وقد ساهم انتشار هذه الادعاءات في خلق حالة من الإرباك والتشكيك في حقيقة الجريمة، بل ومحاولة نزع الصفة التوثيقية عن واحدة من أولى المواد البصرية التي وثّقت الضحايا.
لكن مراسل منصة (تأكد) في بانياس تمكّن من التحقق ميدانياً من أن الصورة حديثة، وتعود بالفعل إلى الطفل إبراهيم شاهين الذي قُتل مع والده وجده وثلاثة رجال آخرين على يد مسلحين ظهر الإثنين 31 آذار/مارس، إضافة إلى نزوح غالبية سكان القرية خوفاً من تجدد الهجوم. كما تداول مستخدمون مقاطع فيديو تُظهر وصول قوى مسلحة تابعة لوزارة الداخلية السورية إلى موقع الجريمة بعد وقوعها، وسط تضارب روايات حول هوية مرتكبي المجزرة وتبعيتهم.
وعند إجراء مقارنة بصرية دقيقة اعتمدتها منصة (تأكد)، تبيّن تطابق انعكاس ظل الشمس في مكان تجميع جثث الضحايا مع الظلال الظاهرة في الفيديو الذي نشره المكتب الإعلامي لمحافظة طرطوس لوصول قوى الأمن العام إلى الموقع نفسه، ما يؤكد أن الصور المتداولة جميعها حديثة ومن المكان ذاته. يمثّل هذا التطابق — كأداة تحقق — دليلاً قاطعاً على صحة الصورة، ويفنّد الادعاءات التي اعتمدت على بحث عكسي غير مكتمل أو استنتاجات تعتمد على التشابه البصري الظاهري.
تكشف هذه الحالة جانباً بالغ الخطورة من ظاهرة التضليل المرتبطة بالبحث العكسي:
ولا تقتصر تداعيات هذه الظاهرة على قضية بانياس وحدها، بل تُعد شكلاً من أشكال التضليل الذي يُستثمر بكثرة في سياقات العنف والجرائم، حيث يسعى البعض إلى التشكيك في أي أدلة بصرية تُوثّق الانتهاكات، سواء لحماية أطراف معينة أو لخلق بلبلة تمنع الوصول إلى رواية موثوقة، وهو ما تكرر فعلاً في وقت لاحق مرات عديدة أخرها التشكيك الذي تبع الجريمة التي في بلدة زيدل بريف حمص.
وتؤكد منصة (تأكد) أن هذه الحالة نموذج يمكن القياس عليه لفهم الأسلوب الذي يُعاد فيه تدوير نتائج غير دقيقة للبحث العكسي، وكيف يمكن أن يتحول التشكيك غير المهني إلى أداة لتضليل الجمهور والتأثير في النقاش العام، خاصة في القضايا الحساسة التي تمس الضحايا وكرامة الأحياء.
شكّل انتشار فيديو إعدام ثلاثة شبان من عائلة "عرنوس" في السويداء بتاريخ 18 تموز/ يوليو 2025 واحدة من أخطر موجات التضليل المرتبطة بالمحتوى العنيف خلال العام، خاصة بعد أن اكتسبت الرواية المضلّلة زخماً غير مسبوق نتيجة إجابة غير دقيقة قدمها نظام الذكاء الاصطناعي "غروك".
فمع بدء تداول الفيديو بشكل واسع، توجه عدد كبير من المستخدمين إلى غروك للاستفسار عن حقيقة المقطع، ليقدّم النظام إجابة خاطئة حرفياً نصها:
"هذا الفيديو قديم من عام 2012، يظهر مقاتلين معارضين في حلب يرمون جثث موظفي بريد من سطح مبنى. هو من أيام بشار الأسد، وليس حديثاً. مصادر: لوس أنجلوس تايمز ونيوز.كوم.أو."نص الإجابة التي قدمها (غروك)
هذه الإجابة، التي صيغت بلغة حاسمة وقدمت “مصادر” تبدو موثوقة، أدت إلى تضليل واسع؛ إذ تبنّاها آلاف المستخدمين بوصفها “تحققاً تقنياً”، ما أعاق فهم حقيقة الجريمة وسمح بانتشار سرديات تزعم أن الفيديو “ليس من السويداء”، وأنه “أُعيد تدويره لإثارة الفتنة”.
باشرت منصة (تأكد) تحقيقاً عاجلاً لفحص المقطع، شمل مطابقة المعالم العمرانية الظاهرة فيه مع صور الأقمار الصناعية، وجمع شهادات ميدانية من سكان المنطقة وذوي الضحايا. وأثبت التحقق أن الفيديو حديث، وأنه صُوّر داخل منطقة الشرطة العسكرية في السويداء، حيث أُعدم الشبان الثلاثة: معاذ بشار عرنوس، براء بشار عرنوس، وأسامة معضاد عرنوس — فيما قُتل والد الشقيقين أمام باب منزله قبل تنفيذ الجريمة.
أظهر هذا التحقق أن إجابة غروك اعتمدت على تشابه بصري سطحي مع حادثة أخرى غير مرتبطة، وأن النظام أعاد إنتاج معلومات مضلّلة بثقة كاملة دون تحليل بصري أو تحقق زمني أو مكاني. ومع نشر منصة (تأكد) للتحقيق الموثّق، تراجع انتشار الادعاء الخاطئ، واستعاد الجمهور الرواية المعتمدة على الأدلة، مما حدّ من استثمار التضليل في تأجيج التوترات المحلية.
تبرهن هذه الحالة دخول الذكاء الاصطناعي كفاعل جديد في صناعة التضليل، ليس فقط عبر المحتوى المصنوع رقمياً، بل أيضاً عبر الإجابات الخاطئة التي تُقدّم بوصفها معرفة مؤكدة. كما تؤكد أهمية الدور البشري المهني في التحقق من الأحداث الحساسة، وتعزز ضرورة وعي الجمهور بمحدوديات أدوات الذكاء الاصطناعي وعدم التعامل معها كبديل عن التحقق الصحفي المتخصص.
واجهت منصة (تأكد) خلال العام مجموعة من التحديات البنيوية والطارئة التي أثّرت بصورة مباشرة على قدرتها على أداء دورها الرقابي في بيئة معلوماتية شديدة الاضطراب. فقد شكّل نقص البيانات الموثوقة وغياب المصادر الرسمية الدقيقة أحد أبرز العوائق، خاصة في المناطق التي شهدت مواجهات أو تغيراً متسارعاً في السيطرة الميدانية، حيث غالباً ما تتضارب الروايات أو تنعدم بشكل كامل.
وجد فريق المنصة نفسه في مواجهة حملات تشويه واستهداف وضغوط سياسية ومجتمعية رافقت نشر تحقيقات حساسة تتقاطع مع روايات متصارعة أو مع مصالح لجهات محلية. وقد سعت هذه الحملات إلى التأثير على استقلالية العمل وإضعاف ثقة الجمهور بالفريق، الأمر الذي جعل عملية التحقق والنشر تتطلب مزيداً من الحذر والتمسك بالمعايير المهنية.
برز تحدٍّ إضافي تمثل في ضعف استجابة الجهات الحكومية لطلبات الاستيضاح التي توجهها منصة (تأكد) ضمن عملها اليومي. إذ تفتقر معظم الوزارات إلى مكاتب صحفية فاعلة أو متحدثين رسميين يمتلكون الخبرة اللازمة للتعامل مع الأسئلة الإعلامية، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى ردود مبهمة أو غير مباشرة تزيد من مساحة التأويل والشائعات. وقد تفاقمت هذه المشكلة خلال الأشهر الأولى التي تلت سقوط النظام، حين فُرض — بشكل غير معلن — حظرٌ على تعامل المؤسسات الحكومية مع منصة (تأكد)، ما حدّ من وصول الفريق إلى البيانات الرسمية في مرحلة كانت الحاجة فيها إلى المعلومات الدقيقة في ذروتها. وقد تم تجاوز هذا الحظر لاحقاً بعد مناقشة الأمر مباشرة مع وزير الإعلام، الذي أكد حرصه على التعاون مع المنصة وأهمية دورها في ضبط الخطاب العام.
على الصعيد المجتمعي، كان الاستقطاب الحاد الذي طغى على البلاد بعد التحولات السياسية أحد أكثر العوامل تعقيداً. فقد انعكس هذا الاستقطاب على الشهود والمصادر المحليين الذين تعتمد عليهم المنصة في عمليات التحقق الميداني، إذ أصبح كثير منهم متردداً في الإدلاء بشهادته خشية التعرض للضغط أو المساءلة داخل مجتمعه المحلي، أو خوفاً من تفسير شهادته كنوع من الاصطفاف السياسي. وقد أدى ذلك في بعض الحالات إلى إعاقة الوصول إلى روايات أولية دقيقة في الوقت المناسب.
باتت بعض القضايا تشهد سيلاً من المواد المتداولة خلال ساعات قليلة، ما فرض ضغطاً كبيراً على فرق التحقق. كما أن كثيراً من الادعاءات لا يحتمل أي تأخير في التعامل معها، نظراً لتأثيرها المباشر على الرأي العام أو على الأمن المجتمعي، وهو ما جعل الأطر الزمنية الطبيعية لعمليات التحقق التقليدية أقصر من المطلوب بكثير.
ازدادت التحديات تعقيداً خلال الأحداث الكبرى التي تترافق عادة مع ضعف الوصول إلى المناطق والمتضررين، إما لأسباب أمنية تحول دون وجود مراسلين أو مصادر ميدانية موثوقة، أو لأسباب تقنية نتيجة انقطاع الإنترنت أو تعطل شبكات الاتصال، ما حدّ من قدرة المنصة على تطويق الشائعات في اللحظة المناسبة.
تُظهر هذه التحديات مجتمعةً أن العمل في فضاء معلوماتي هش ومفتوح على الاستقطاب والخوف والفراغ المؤسسي يتطلب قدرات مرنة وواسعة النطاق. وقد عملت منصة (تأكد) على التكيّف مع هذه التحديات عبر تحسين أدواتها التقنية، وتوسيع شبكات مصادرها، وتعزيز قنواتها مع الجهات الرسمية والفاعلين المحليين، لضمان مواصلة دورها كخط دفاع أساسي ضد التضليل في سوريا.
شهد العام توسعاً واضحاً في حضور منصة (تأكد) داخل المشهد الإعلامي السوري والدولي، انعكس في اعتماد مؤسسات صحفية بارزة على تحقيقاتها، وفي ترسيخ موقعها كجهة موثوقة في مواجهة التضليل. فقد لعب تحقق المنصة في قضية تقرير شبكة CNN حول "تحرير معتقل سري" دوراً محورياً في تصويب الرواية المتداولة، بعد أن أثبت أن الشخص الوارد في التقرير ليس معتقلاً كما زُعم، بل ضابط مخابرات جوية يُعرف باسم "أبو حمزة". هذا التحقق دفع وكالات دولية كبرى، مثل وكالة أسوشيتد برس وفرانس24 وAl Jazeera English وAJ+، إلى الاستناد إلى نتائج المنصة في تغطياتها، ما عزز حضور (تأكد) كمرجع يمكن الركون إلى دقته.
كما سلط موقع Les Jours الفرنسي الضوء على ظروف نشأة المنصة ودورها في تفنيد روايات الإنكار، ولا سيما ما يتعلق بالانتهاكات التي ارتُكبت ضد مدنيين من الطائفة العلوية في الساحل، مقدّماً المنصة بوصفها نموذجاً لالتزام المهنية والحياد. وفي سياق آخر، اعتمد تقرير رسمي صادر عن وزارة الداخلية البريطانية حول "العائدين إلى سوريا بعد سقوط النظام" على (تأكد) كمصدر رئيسي في تحليل حجم التضليل خلال المرحلة الانتقالية، بينما استندت هيئة الإذاعة النرويجية NRK في تحقيق موسّع إلى عمل المنصة في قضية فيديوهات وزير العدل السابق، بما في ذلك نتائج التحليل الصوتي الذي أجري على المادة المتداولة.
وعلى الصعيد الداخلي، كشفت المنصة في تحقيق مشترك هشاشة منظمة وهمية تُدعى IOHR كانت قد وقّعت مذكرة تفاهم في محافظة حلب، وأظهرت غياب أي سجل قانوني موثوق للكيان وارتباط ممثليه بملفات قضائية ومالية مثيرة للجدل، الأمر الذي دفع وسائل إعلام عديدة إلى تبني نتائج التحقيق. كما تمكنت المنصة من كشف حقيقة الجهة التي كرّمت الفنانة منى واصف، بعدما ادعت أنها "منظمة عالمية لحقوق الإنسان"، ليتبين أنها جهة غير معترف بها دولياً وتعتمد على ألقاب وصفات مضللة. وفي حادثة أخرى من السويداء، اعتمد تلفزيون سوريا على تحقق (تأكد) الذي أثبت أن استهداف مئذنة الجامع الكبير وقع في 17 تموز/ يوليو 2025 ونفّذته فصائل مسلحة محلية، مع إعادة بناء سياق الحادثة وتوضيح ملابساتها للرأي العام.
رغم النجاحات المتراكمة، سجّلت المنصة بعض الأخطاء المهنية التي شكّلت فرصة لتعزيز سياساتها وتطوير أدواتها. ففي قضية "اختطاف نغم عيسى"، تبنت المنصة رواية العائلة دون إيضاح كافٍ لمصدر المعلومة، ما أدى إلى التباس مهني استدعى اعتذاراً وتصويباً، وأدى لاحقاً إلى تحديث سياسات النشر المتعلقة بقضايا الاختفاء والخطف.
كما تعرضت المنصة لحملة تحريض واسعة بعد نشر تحقق حول مجزرة في السويداء ارتكبها مسلحون محسوبون على السلطة الحالية، تضمن التشهير بمدير المنصة واستهداف أسرته. ورغم ذلك، تمسكت (تأكد) بالمعايير الأخلاقية، ورفضت إعادة إنتاج أي انتهاك بحق الضحايا أو ذويهم، وأبدت استعدادها لتسليم أي مواد متوفرة لديها لجهة تحقيق مستقلة.
أسهمت هذه التجارب في تحسين سياسات التحرير، وتطوير إجراءات السلامة الرقمية، والتشديد على ضرورة نسبة المعلومات الحساسة إلى مصادرها الأصلية، وتعزيز منظومة الحماية لفريق العمل.
عملية التحقق أثرها متوسط إلى بعيد المدى على الأعم الأغلب ولذلك ثبت أن معظم حملات تقويض المصداقية انتهت إلى حد كبير نتيجة الالتزام بمبدأ الاستمرارية والالتزام الصارم بالمنهجية دون الوقوع في فخ الاستقطاب الحاصل.
في إطار استراتيجيتها لبناء ثقافة تحقق أوسع، أطلقت المنصة خلال كانون الأول/ ديسمبر 2024 برنامجها التطوعي "حراس الحقيقة"، الذي استقطب نحو 2000 طلب من شباب عرب مهتمين بالتحقق من المعلومات. وبعد عملية فرز دقيقة، اختير 50 مشاركاً للمرحلة التدريبية الأولى بناءً على معايير الكفاءة والخبرة والتفرغ.
امتد البرنامج التدريبي لقرابة شهرين، وشمل تقديم جلسات نظرية وعملية حول منهجية (تأكد)، وأدوات البحث العكسي، والتحقق من الصور والفيديوهات، وتحديد المواقع الجغرافية، وأساليب البحث في المصادر الصحفية، والتعامل مع الأخبار العاجلة.
وشارك بعض المتدربين أصحاب الخبرات التقنية واللغوية في تقديم جلسات متخصصة داخل البرنامج. وقد أثمرت هذه المرحلة عن نشر عدد من التحقيقات التي أنجزها المشاركون ضمن إشراف المنصة، ومنها التحقق من وثيقة مزعومة حول تخفيض سعر الصرف، وادعاءات وصول قوات "فاغنر" إلى اللاذقية، وتصريحات منسوبة للمتحدثة باسم الخارجية الأميركية، إضافة إلى التحقق من روايات حول "مقبرة جماعية" في مطار المزة.
تعزز هذا الحضور خلال عام 2025 من خلال ترشيح المنصة لجائزة Global Fact-Checking Awards لفئة التأثير، وهو ترشيح يعكس ثقة مجتمع التحقق العالمي بالأثر الذي تتركه تحقيقات المنصة في البيئة المعلوماتية السورية.
كما تلقت المنصة دعوة رسمية للمشاركة بصفة خبير في فعالية FIMI التي ينظمها جهاز العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي حول التلاعب بالمعلومات، وهو ما يؤكد مكانتها كمرجع متخصص في تحليل التضليل في سياقات النزاع والتحول السياسي. إضافة إلى ذلك، شاركت المنصة في مؤتمر Disinfo2025 إلى جانب أكثر من 600 خبير دولي، حيث قدمت تجربتها في مواجهة موجة التضليل التي رافقت سقوط النظام السوري، لترسخ موقعها كإحدى المنصات العربية الأكثر حضوراً على الساحة الدولية.
يؤكد هذا التقرير أن التحقق من المعلومات لم يعد ترفاً في سوريا ما بعد النزاع، بل شرطاً أساسياً لبناء فضاء عام صحي ودولة تستند إلى المساءلة والحق في المعرفة.
تسعى منصة (تأكد) إلى أن تكون مرجعاً موثوقاً للمعلومات في مرحلة انتقالية شديدة التعقيد، وإلى العمل مع شركاء محليين ودوليين لحماية الجمهور من التضليل، وتعزيز ثقافة التحقق والمراجعة قبل النشر والمشاركة.
وتدعو المنصة جميع الأطراف — حكومات، إعلاماً، مجتمعاً مدنياً، شركات تكنولوجيا، وجمهوراً — إلى التعاون في مواجهة الموجات المتزايدة من المعلومات الكاذبة، انطلاقاً من قناعة بأن الحقيقة مسؤولية مشتركة، وأن بناء الثقة الرقمية جزء لا يتجزأ من بناء سوريا الجديدة.