اكتشاف مقبرة جماعية في العتيبة يعيد فتح ملف المجزرة والتضليل الإعلامي

أحمد زعرور
calendar_month
نشر: 2025-09-24 , 8:38 م
edit
تعديل: 2025-09-25 , 4:21 م

عثرت السلطات السورية، يوم الخميس 18 أيلول/سبتمبر 2025، على مقبرة جماعية في محيط بلدة العتيبة بريف دمشق، تضم رفات ما يقارب 100 شخص يُعتقد أنهم قضوا في كمين نفّذه النظام السابق. وجاء الاكتشاف أثناء قيام البلدية بأعمال توسعة على مجرى نهر قريب من البلدة.

وأظهرت المقاطع المصوّرة من موقع الحادث بقايا عظام وملابس لضحايا المجزرة، فيما توجّهت فرق وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث وبحضور ممثلين عن النيابة العامة إلى المكان وبدأت عمليات البحث وانتشال الرفات وتوثيقها، بمشاركة عدد من أهالي المفقودين الذين تمكن بعضهم من التعرّف على ذويهم من خلال الملابس.

أعاد هذا الاكتشاف الحديث عن مجزرة العتيبة التي وقعت عام 2014، حين قُتل أكثر من 175 شخصاً في الهجوم الذي نفذه النظام وحزب الله، ورافقتها حملات تضليل إعلامية واسعة.






 

تفاصيل مجزرة العتيبة عام 2014

بتاريخ 26 شباط/فبراير 2014، حاولت مجموعة تضم أكثر من 175 شخصاً معظمهم من سكان الغوطة الشرقيَّة المحاصرة آنذاك، الخروج ليلاً برفقة عناصر الجيش الحر عبر طريق "العتيبة" الواصل بين بلدتي ميدعا والضمير، انطلاقاً من بلدة النشابيَّة بريف دمشق.

وخلال مرور المجموعة بين الساعة الثانية والثالثة فجراً، تعرّضت لكمين من قوات النظام مدعومة بعناصر من حزب الله.

تخلّل الكمين تفجير حزامين من الألغام والعبوات الناسفة بفارق زمني قصير، قبل أن تُفتح النيران من أسلحة مختلفة بهدف قتل من تبقّى على قيد الحياة.

في أعقاب ذلك، بثّت قناة المنار التابعة لحزب الله مقطعاً مصوّراً وصفته بالحصري. أظهر المقطع مجموعة كبيرة من الأشخاص يسيرون ليلاً في محيط العتيبة، ورُصدوا عبر مناظير ليلية قبل استهدافهم بتفجيرين وإطلاق النار.

كما أظهرت صور ولقطات من الموقع جثث العشرات على طريق ترابي، بعضهم يرتدي ملابس مدنيَّة وآخرون بلباس عسكري، إضافةً إلى صور تظهر استخدام جيش النظام لجرافة في عملية جمع الجثامين.

التضليل المرافق للتغطية الإعلامية للمجزرة

سعت وسائل الإعلام التابعة للنظام وحلفائه إلى تبرير مجزرة العتيبة من خلال روايات متناقضة ومشحونة بالدعاية. فقد زعمت أن "الجيش العربي السوري، وبناءً على معلومات استخباراتية دقيقة، نصب كميناً استهدف مقاتلين إرهابيين أجانب، أغلبهم سعوديون وقطريون وشيشان ينتمون إلى جبهة النصرة ولواء الإسلام في الغوطة الشرقية".

وفي تغطية أخرى، قال مراسل قناة "المنار" التابعة لحزب الله اللبناني إن هؤلاء المقاتلين كانوا يحاولون الخروج من الغوطة للانتقال إلى جبال القلمون أو التوجه نحو الأردن للانضمام إلى جماعات مسلحة تستعد لشن هجمات جنوب دمشق. بينما ذهبت مراسلة "الميادين" أبعد من ذلك، فزعمت في تغطيتها من موقع الحادثة أن القتلى "مسلحون جاؤوا من جبال القلمون لدعم الفصائل في الغوطة الشرقية".

تضليل

المحتوى الذي يتضمن مزيجاً من الحقائق والأكاذيب.

تحققت منصة (تأكّد) من هذه الروايات وخلصت إلى أنها تضمنت قدراً كبيراً من التضليل، استناداً إلى شهادات الناجين وذوي الضحايا، إضافة إلى الأدلة المصوّرة.

أولاً: هوية الضحايا

برزت حقائق ميدانية وشهادات مباشرة لتكذّب الرواية الرسمية التي نسبت القتلى إلى "مقاتلين أجانب من جبهة النصرة ولواء الإسلام"، فقد نفى إسلام علوش، المتحدث باسم جيش الإسلام "لواء الإسلام سابقاً"، لوكالة الأناضول مقتل أي من عناصر الفصيل في الكمين، مؤكداً أن معظم الضحايا كانوا مدنيين، بينهم جرحى ومرضى حاولت مجموعة صغيرة من العسكريين مرافقتهم لتأمين العلاج والخروج من الحصار.

كما أن اللقطات التي بثتها وسائل الإعلام الموالية والداعمة للنظام أظهرت جثث الضحايا وبجانبها دمية دب وأخرى تظهر حقائب مدرسية، كما أن طريقة الخروج الجماعي لا يتناسب مع أسلوب تحرك المقاتلين الذين يسيرون عادة بمجموعات صغيرة متباعدة.

بالإضافة لذلك فإن أحد الناجين من المجزرة هو شاب مدني من مدينة دوما يدعى عمار ذكر في مقطع مصور عقب المجزرة أن المجموعة المستهدفة بالكمين كانت تضم نحو 175 شخصاً، بينهم 30 جريحاً و40 عنصراً من الجيش الحر معظمهم منشقون، بأسلحة محدودة (25 كلاشينكوف فقط)، بينما الغالبية كانوا مدنيين خرجوا بسبب الحصار والجوع ونقص الكوادر الطبية، وهو ما أكده بيان المكتب الحقوقي الموحد في الغوطة الشرقية 

وصرح ناج آخر من المجزرة يدعى حسن سالم، لوكالة (سانا) بعد اكتشاف المقبرة الجماعية، أن عدد الضحايا تجاوز 175 شخصاً معظمهم مدنيون، وأن 70% منهم من أهالي العتيبة، مؤكداً أنه استطاع النجاة رفقة 17 آخرين بعد الانفجارات.

كما ذكر مراسل قناة الجزيرة عمر الحاج خلال تغطية اكتشاف المقبرة الجماعية عن أن أحد الأشخاص تعرف على ذويه من خلال الملابس، وأكد له أنهم خرجوا بحثاً عن الغذاء.

حتى أحد قادة النظام الميدانيين لم يتمكّن من تبرير ادعاء وجود مقاتلين أجانب. وعندما سألته مراسلة الميادين عن كيفية دخولهم إلى الغوطة، تهرّب من الإجابة واكتفى بالقول أمام الكاميرا: 'لهون وبس'.

ثانياً: رواية "الميادين" عن قدوم المجموعة من القلمون

ادعاء ديمة ناصيف مراسلة قناة "الميادين"بأن الضحايا قدموا من جبال القلمون لدعم المعارضة داخل الغوطة يتعارض بوضوح مع شهادات الناجين وذويهم، الذين أكدوا أن خروجهم كان من الغوطة نفسها بسبب الحصار. كما أنه يناقض رواية النظام وقناة "المنار" التي قالت إن الاستهداف وقع أثناء خروج المجموعة من الغوطة لا عند دخولها إليها.

ثالثاً: هوية المنفذين

الإعلام الرسمي أصرّ على أن "الجيش السوري" هو من نفذ الكمين، متجاهلاً أي دور لحزب الله. غير أن مقطعاً مسرّباً من مكان الحادثة أظهر مسلحين بلباس عسكري يتحدثون بلهجة لبنانية، ما يرجح أنهم عناصر من حزب الله. كما أن بث قناة "المنار" لمقطع حصري يوثق عملية الاستهداف شكّل مؤشراً إضافياً على مشاركة الحزب إلى جانب قوات النظام في المجزرة.

الهيئة الوطنية للمفقودين تدعو لعدم الاقتراب من مواقع الرفات في العتيبة

أعلنت "الهيئة الوطنية للمفقودين" أنها باشرت، بالتنسيق مع فرق الدفاع المدني وبحضور ممثلين عن النيابة العامة، عملية انتشال رفات عظمية من أحد الحقول الزراعية ببلدة العتيبة في ريف دمشق، تعود لضحايا مجزرة العتيبة 2014.

ودعت الهيئة في بيان نشر على صفحتها في "فيسبوك" بتاريخ 19 أيلول/سبتمبر 2025 المواطنين إلى عدم الاقتراب من مواقع الرفات أو العبث بها، وترك مهام التوثيق والانتشال للجهات المختصة، حفاظاً على كرامة الشهداء وضماناً لسلامة الأدلة.

وأكدت أن أعمال التوثيق والانتشال تجري بما يكفل صون كرامة الضحايا وحفظ الأدلة، تمهيداً للتعرف على هوياتهم ومساندة ذويهم في مسار العدالة.

مجزرة بانتظار العدالة

إن اكتشاف المقبرة الجماعية في العتيبة عام 2025 يعيد تسليط الضوء على واحدة من أبرز الانتهاكات التي شهدتها سنوات الحصار على الغوطة الشرقية. وبينما قدّمت وسائل الإعلام الرسمية والموالية آنذاك روايات متناقضة ومضللة حول ما جرى، تؤكد الشهادات والوثائق أن غالبية الضحايا كانوا من المدنيين الذين خرجوا بحثاً عن الغذاء والعلاج. ويؤكد هذا الاكتشاف مجدداً الحاجة إلى تحقيقات وعدالة تضمن إنصاف الضحايا وذويهم، ومساءلة جميع المتورطين.

لماذا تأكد؟!

منصة تأكد منصة مستقلة وغير متحيزة متخصصة بالتحقق من الأخبار والمعلومات تأسست في سوريا أوائل عام 2016 لمواجهة انتشار المعلومات المضللة.

معتمدة من:

certified

دليل التحقق

certified

شاركنا لنتأكد

© جميع الحقوق محفوظة لمنصّة تأكّد 2025