تأكد
خطأ

خطأ

بين الحقيقة والشائعة.. تقرير حول أبرز المعلومات الخاطئة عن سجن صيدنايا

عبدالعزيز الخليفة

عبدالعزيز الخليفة

نشر ١٨ أكتوبر ٢٠٢٥

الادعاء

ظل سجن صيدنايا العسكري في سوريا، منذ افتتاحه، محاطاً بهالة من الغموض والسرية. وبعد 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أصبح السجن بؤرة لروايات متناقضة وشائعات واسعة الانتشار، كالحديث عن "مكبس بشري" و"زنازين سرية" و"معتقلات نساء"، وكثير من المزاعم من ضمنها وجود دور لشركة "مرسيدس" في بناء السجن. هذا التحقيق يستعرض أبرز المزاعم التي رافقت صيدنايا ويفصل بين الحقيقة والمعلومات غير الصحيحة.

دحض الادعاء

هل توجد معتقلات نساء في سجن صيدنايا؟

أعادت وزارة الداخلية في آب/ أغسطس 2025 الجدل إلى الواجهة وذلك بعد بثّ تسجيلات لعدد من سجّاني سجن صيدنايا تحدّث بعضهم عن اغتصاب نساء وإعدامهن داخل السجن.

سلطان سلطان، سجين سابق في صيدنايا بين عامي 2012 و2014، قال في شهادته لـ(تأكّد) إن أحد السجناء الجنائيين ذكر أن إدارة السجن كانت تحضر نساء من مراكز اعتقال خارج صيدنايا ليلة تنفيذ حكم الإعدام بهنّ، مؤكداً أنه لم يرَ أي زنازين مخصّصة للنساء داخل صيدنايا، ولم يسمع من غيره من المعتقلين عن وجودها.

وهذا ما ذهب إليه أيضًا دياب سرية، رئيس رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا، موضحاً أن الوثائق الرسمية الصادرة عن السجن — التي تحتفظ الرابطة بنسخ منها — لا تشير إلى احتجاز نساء فيه، لكن رئيس الرابطة شكك في رواية إحضار نساء من خارج السجن وتقديمهنّ إلى العناصر بهدف اغتصابهن وإعدامهن ووصفها بـ"غير المنطقية"، مطالباً السلطات بتقديم دليل يثبت صحة هذه الرواية. في المقابل، قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان لمنصة (تأكد) إن "نظام بشار الأسد كان يقتاد معتقلات بالغات من مراكز احتجاز تابعة له إلى صيدنايا قبل نحو 24 ساعة من تنفيذ حكم الإعدام بحقهن"، مضيفة أن الشبكة حتى الآن تعمل على جمع المعلومات والوصول إلى شهادات بشأن وقوع حوادث اغتصاب أو وجود عن وجود زنزانات خاصة لاحتجاز السيدات داخل سجن صيدنايا.

وفي الساعات الأولى بعد انهيار النظام، كانت انتشرت على نطاق واسع مقاطع مصوّرة قيل إنها توثق خروج نساء وأطفال من سجن صيدنايا. غير أن التحقق كشف أن المشاهد التُقطت في جمعية (دفى) لرعاية الأطفال بحي باب مصلى في دمشق، على بُعد أكثر من 25 كيلومتراً عن السجن. وأظهرت لقطات من داخل الجمعية يوم الجمعة 27 كانون الأول/ ديسمبر تفاصيل المكان في الفيديو المتداول.

ما حقيقة وجود مكبس بشري في صيدنايا؟

من بين أكثر الادعاءات التي أثارت الرعب عقب فتح السجن، مقاطع قيل إنها تُظهر آلة لطحن جثث المعتقلين عُرفت باسم “المكبس البشري”. غير أن دياب سرية، رئيس رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا، نفى هذه الرواية أيضاً، موضحاً أن الآلة الظاهرة في المقاطع ليست أداة للتعذيب، بل مكبس يُستخدم لضغط ألواح مكبس خشب (MDF) ضمن ورش صيانة أثاث غرف الإدارة والضباط داخل السجن.

وتقاطعت شهادة سرية مع إفادة مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، الذي أكد بدوره أنه لا وجود لأي "مكبس بشري" داخل صيدنايا.

أما سلطان سلطان، السجين السابق بين عامي 2012 و2014، فقال إنه لم يعرف أي حالة تعرّضت للتعذيب بالمكبس المتداول، مشيراً إلى أن هذه الآلة كانت موجودة أصلاً في قسم السجناء الجنائيين، واستُخدمت خلال استعصاء صيدنايا عام 2008 لصناعة سيوف بدائية على يد المعتقلين.

وتابع سلطان أن الإعدامات في صيدنايا لم تكن تُنفّذ بالمكبس أو داخله، بل خارج أسواره؛ حيث كان يُنقل المحكومون إلى مهاجع خاصة ثم إلى مكان الإعدام عبر حافلات صغيرة على دفعات.

من جهته، أكد العقيد لؤي يوسف، الذي شغل منصب مدير سجن صيدنايا بين كانون الثاني/ يناير 2004 وآب/ أغسطس 2006 وكان لاحقاً سجيناً فيه، أنه أدخل بالفعل ورش خياطة ونجارة إلى قسم السجناء القضائيين، وهو ما يفسر وجود المكبس ضمن تجهيزات السجن.

وسبق لمنصة "تأكد" أن نشرت تحقيقاً حول مقطع فيديو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي زعم أنه يظهر مكبساً يدوياً في سجن صيدنايا، وتبين وقتها أن المقطع منشور على قناة في موقع يوتيوب تحمل اسم "Koleksiyoncu Korku Evi"، والتي تعني بالعربية "لعبة الهروب من المنزل – بيت الرعب".وتعرف المنصة نفسها على موقعها الإلكتروني أنها منصة ألعاب الكترونية.

لا سجون سرية في صيدنايا

مع سقوط النظام وخروج مئات المعتقلين من سجن صيدنايا، وانتشار الغموض حول مصير الآلاف منهم، ظهرت منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 مزاعم عن وجود أقسام سرية داخل السجن تضم آلاف المعتقلين الذين لم يتم الوصول إليهم.

لكن ثلاثة مصادر متطابقة نفت وجود سجون سرية بينها رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا، التي أصدرت بياناً حول المعلومات المتداولة عن وجود معتقلين عالقين في سجن صيدنايا، أكدت فيه "خلوه من المعتقلين في ابنيتيه (الأبيض والأحمر)"، موضحة أنه تم "تحرير آخر سجين من صيدنايا يوم أمس الأحد 08 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وأن المعلومات عن وجود معتقلين تحت الأرض غير دقيقة".

كما انتشر مقطع فيديو لوزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح، في أيلول/ سبتمبر الجاري، كشف فيه أنه بعد 24 ساعة من فتح سجن صيدنايا تبين عدم وجود أماكن سرية للاحتجاز،وأنه مع ذلك واصل الفريق العمل لمدة يومين تقريباً مراعاةً لمشاعر أهالي المعتقلين.

كما أكد العقيد لؤي يوسف في مقطع مصور نشره على صفحته في فيسبوك، أنه لا توجد أي أبواب سرية أو سجون سرية داخل السجن.

ما حقيقة ادعاءات الإعلامي أيهم بيّوش في مقطع صيدنايا المتداول؟

سلسلة من الادعاءات غير الصحيحة قدّمها الإعلامي أيهم بيّوش في فيديو قصير لا يزال متداولاً حتى الآن، إذ زعم أن النظام أجبر معتقلي سجن صيدنايا الأحمر على المشاركة في الانتخابات الرئاسية، بمن فيهم الأموات، كما أشار إلى وجود سجن في مكان يُسمّى «تحت الدرج»، وذكر أن الطابق الأول كان مخصّصاً لمعتقلين من فئة VIP، وأن بعض المهاجع كانت تضم ما يصل إلى 250 معتقلاً في الغرفة الواحدة.

المعتقل السابق في سجن صيدنايا "حمزة نادار" أوضح على حسابه في فيسبوك أن معتقلي صيدنايا الأحمر يتبعون للمحكمة الميدانية العسكرية ومجرّدون من الحقوق المدنية والعسكرية، "لذلك لم يُجبروا على الانتخاب لأن النظام لا يعترف أصلاً بحقّهم في ذلك".

كما أوضح أن مكان "تحت الدرج" ليس سجناً، بل مستودعاً صغيراً تُحفظ فيه الأحذية والأطراف الصناعية، وأن الطابق الأول الذي تحدّث عنه بيّوش ليس مخصّصاً لـVIP، "بل هو قسم الإيداع، وهو من أكثر الأقسام قسوة وتعذيباً في السجن". وأضاف أن النظام، منذ استعصاء عام 2008، لم يكن يسمح بتجميع أكثر من 40 معتقلاً في المهجع الواحد، ما يجعل الادعاء بوجود 250 معتقلاً في غرفة واحدة غير صحيح مطلقاً.

هل بنت شركة مرسيدس سجن صيدنايا؟

ضمن سيل المزاعم عن صيدنايا، برز أيضاً ادعاء وزير العدل السوري الحالي "مظهر الويس" في تصريحات مصورة لوسيلة إعلام أجنبية في شباط/ فبراير 2025 (أي قبل أن يصبح وزيراً للعدل)، أن سجن صيدنايا بُني على يد شركة مرسيدس الألمانية لصالح نظام حافظ الأسد. مستدلاً بذلك على شكل السجن الخارجي الذي يشابه شعار شركة مرسيدس، لكن الباحث السوري حسام جزماتي أن السجن أنشأته وزارة الدفاع السورية في عهد النظام السابق، وأن الجهة التي تديره كانت الشرطة العسكرية التابعة للنظام البائد.

وقال الناشط الحقوقي أنور البني لمنصة (تأكد)، إنه عمل في مشروع بناء السجن بين عامي 1982 و1984 كمساعد مهندس مدني في مؤسسة الإسكان العسكري وترك المشروع قبل الانتهاء منه. وأضاف أن "تصميم السجن مستوحى من نموذج ألماني، مشابه لتصميم سجن حلب المركزي، لكنه لم يُنشأ من قبل أي شركة ألمانية".

رواج الشائعات حول صيدنايا

راجت مع نهاية حقبة النظام المخلوع أخبار ملفقة ومضللة حول سجن صيدنايا، من بينها مزاعم عن قوائم معتقلين تضم 33 سعودياً أبرزهم الداعية عوض القرني، استناداً إلى وسائل إعلام عبرية، وهو ما أثبت التحقق عدم صحته. كما ترددت أنباء عن إعلان وزارة الداخلية السورية العثور على وثائق إعدام الدكتور محمد خلدون مكي الحسني الجزائري، طبيب الأسنان السوري من أصول جزائرية وباحث العلوم الشرعية، ليتضح أنها غير صحيحة أيضاً.

كما رصدت مقاطع فيديو ادّعت أنها توثق اعتقال مدير سجن صيدنايا، ليتبين زيفها. وقد عمل فريقنا على التحقق من عشرات المزاعم المرتبطة بالسجن ومعتقليه، إيماناً بأهمية توثيق الحقيقة المتعلقة بسجن صيدنايا والمعتقلين السوريين.

دعوة للمحاسبة

تُظهر المزاعم التي أحاطت بسجن صيدنايا، بعد سقوط النظام، حجم الفجوة المعلوماتية التي خلّفها الغموض المحيط به لعقود. وبينما أسقط التحقق كثيراً من الروايات المتداولة حول "المكبس البشري" أو "السجون السرية" أو "معتقلات النساء"، تبقى الحقيقة المؤكدة أن صيدنايا كان مسرحاً لانتهاكات موثقة وعمليات إعدام جماعية.

ففي شباط/ فبراير 2017، دعت منظمة العفو الدولية الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق مستقل حول ما يجري في السجن، عقب تقرير كشفت فيه عن إعدام قوات النظام نحو 13 ألف شخص شنقاً بين عامي 2011 و2015، بمعدل يتراوح بين 20 و50 شخصاً يُقتادون إلى المشنقة كل أسبوع في منتصف الليل.

اليوم، وبعد انكشاف الكثير من الادعاءات المضللة، تبقى الحاجة لإجراء تحقيقات مستقلة، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، بما يعيد الاعتبار للضحايا ويمنح عائلاتهم حقهم في معرفة الحقيقة والعدالة.

Aa
18

ذو صلة

تأكدAI