
صورة شجرة الميلاد في قصر الشعب بسوريا مفبركة بالذكاء الاصطناعي
تداولت حسابات في مواقع التواصل صورة تظهر شجرة ميلاد ضخمة وادعت أنها في مدخل قصر الشعب بسوريا، إلا أن الادعاء مُلفّق والصورة مفبركة بالذكاء الاصطناعي.


بدايةً من يوم الأحد الفائت، اشتعلت جبهة دير حافر في ريف حلب الشرقي، لتصبح مسرحاً لمواجهات عسكرية وتصعيد متبادل بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد). بدأت القصة بتصريحات متضاربة؛ حيث أفادت وكالة الأنباء السورية (سانا) بأن وحدات الجيش ردت على استهدافات من قبل قسد، طالت القرى الآمنة في محيط المدينة. في المقابل، وجهت قسد اتهاماً للجيش السوري بقصف أحياء سكنية داخل دير حافر، وهو ادعاء سارعت وزارة الدفاع السورية إلى نفيه بشكل رسمي.
وفي خضم هذا التوتر الميداني، غزت منصات التواصل الاجتماعي موجة من المواد البصرية التي سعت إلى رسم صورة مغايرة ومضخمة للواقع، مروّجة لمواجهات حاسمة ومعارك غير حقيقية.
انتشر مقطع فيديو على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، مصوراً مشهداً ليلياً لإطلاق نار كثيف على آلية عسكرية. أُرفق الفيديو بادعاء يزعم أنه يوثق "خسائر فادحة لقوات وزارة الدفاع وفرار عناصرها من خطوط التماس" في أول مواجهة حقيقية مع قوات "قسد" على جبهة دير حافر.

إلا أن التحقق من المقطع كشف أن هذا الادعاء مضلل، حيث أن الفيديو قديم ولا يمت للواقعة الحالية بصلة. فقد تبين أنه منشور بتاريخ 6 يوليو/تموز 2020، أي قبل سنوات من أحداث دير حافر الأخيرة، وذلك عبر حساب على منصة "إكس" يحمل العلم الليبي. وبذلك، جرى استحضار مادة بصرية قديمة من سياق مختلف تماماً لإيهام المتابعين بحدوث خسائر كبيرة في المواجهات الأخيرة.

ظهر مقطع فيديو آخر يُظهر إطلاق صواريخ بشكل كثيف، وقُدِّم للمتابعين على أنه "خبر عاجل" من قلب الأحداث في دير حافر. وأرفقته حسابات على فيسبوك بادعاء مفاده أن "راجمات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تدك مواقع مرتزقة الجولاني على محاور دير حافر"، مضيفةً أن "الاستهداف جاء بقوة ودقة".

البحث العكسي أثبت أن المقطع يعود في الأصل لتاريخ 27 آذار/ مارس 2019، وهو أقدم بسنوات من المواجهات الحالية، ولا علاقة جغرافية له بسوريا على الإطلاق، حيث يوثق في سياقه الحقيقي "رد المقاومة الفلسطينية على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة". بذلك، تم استغلال مقطع قديم من صراع آخر تماماً ونسبته زوراً إلى أحداث دير حافر لخلق انطباع مضلل عن شدة القصف.

في سياق متصل، نُشر مقطع فيديو آخر مصور بتقنية الرؤية الحرارية، يُظهر تحركات لعناصر مسلحة في منطقة وعرة. هذه المرة، تم إرفاق المقطع بادعاء عن "توتر ميداني على جبهة دير حافر وتحركات لوحدات الكوماندوس بالتعاون مع أهالي القرى ضد مواقع مسلحة" في محيط المدينة.

وكما في الحالات السابقة، كشف التحقق أن الادعاء مضلل وأن الفيديو مغاير لسياقه الأصلي. فالمقطع منشور على يوتيوب في شهر آب/أغسطس 2024، أي قبل بدء المواجهات الأخيرة، وهو يعود لعمليات ما يسمى بـ "قوات تحرير عفرين".

نشرت صفحات على فيسبوك، بينها "شبكة اعزاز نيوز"، ادعاءً لافتاً نُسب إلى "الإعلام الكردي"، مفاده أن قوات سوريا الديمقراطية "تعلن عن تجهيز أرتال ضخمة للسيطرة على كامل الساحل السوري". وقد أُرفق الادعاء بمقطع مصور يظهر بالفعل رتلاً من الآليات العسكرية لتعزيز مصداقيته.

التحقق أظهر أن وسائل الإعلام الكردية لم تنشر مثل هذا الخبر على الإطلاق. أما عن الفيديو المستخدم، فقد تبين أنه يوثق توجه الأرتال ذاتها نحو جبهة دير حافر وليس الساحل. الدليل جاء من صوت مصور المقطع نفسه، الذي سُمع وهو يعبر عن أمنيته الشخصية قائلاً "نتمنى التوجه للساحل قريباً" ، مما يوضح كيف تم تحوير أمنية شخصية إلى تصريح عسكري مُختلق. بناءً على ذلك، يُصنف هذا الادعاء بأنه ملفق.

يتضح أن المواجهات العسكرية في دير حافر لم تكن محصورة في الميدان وحده، بل افتتحت بالتوازي معها ساحة حرب أخرى، أكثر تعقيداً، على منصات التواصل الاجتماعي. في هذه الساحة، الهدف هو السيطرة على الرواية وتوجيه المشاعر، أما الذخيرة فكانت المواد البصرية المضللة. جرى فيها توظيف مقاطع فيديو قديمة منزوعة من سياقاتها الزمنية والمكانية - من ليبيا إلى قطاع غزة - لتصوير انتصارات وهمية أو خسائر مفجعة. والأخطر، تم اختلاق أخبار استراتيجية بالكامل، كتحويل أمنية شخصية لمصور فيديو إلى إعلان عسكري رسمي بالسيطرة على الساحل.