"هكذا تحدث الأشياء" أم هكذا يحدث التضليل؟ّ! نموذج لصفحات غير إخبارية تحولت لبؤرة أخبار كاذبة

شكلت نهاية حقبة حكم الأسد في سوريا، فرصة لحسابات مواقع التواصل الاجتماعي تسمح بتناول الشأن السوري، والتفاعل مع أخبار الداخل بعدما كان ذلك من المحرمات، خاصةً في مناطق سيطرة النظام السابق، وترافق ذلك مع غياب للإعلام الرسمي ما أنتج فوضى في التغطية الإخبارية، ودفع الجمهور لاعتماد صفحات في مواقع التواصل كفيسبوك وتويتر مصدراً معتمداً لتلقي الأخبار.

ووجدت بعض الصفحات غير الإخبارية، فرصة قد لا تتكرر في تغيير مضمونها بما يناسب المرحلة وتطوراتها، منها صفحات ترفيهية ساخرة مثل "سوريا الغد"، التي رصدت منصة (تأكد) ضخها لمحتوى ممزوج بالكذب والتضليل، وداعم للسلطة السورية، بغرض حصد التفاعل من قاعدة جماهيرية بنتها سابقاً.

وعلى المنوال ذاته تبرز صفحة "هكذا تحدث الأشياء That's How it is done" والتي تدار من جهة مجهولة تقيم في الأردن، ولا تلتزم بأخلاقيات العمل في نشر الأخبار، إذ تعتمد التضليل والكذب بهدف كسب التفاعل، وتشكيل رأي عام مناهض للسلطة السورية الجديدة.

المنشورات الأولى: محتوى علمي وتفاعل شحيح

عند مراجعة منشورات الصفحة، يتضح أن أقدم منشور يعود لتاريخ 30 حزيران/ يونيو 2022، ويتضمن معلومات ذات محتوى علمي كالنظرية الذرية والميكروسكوب، ومقاطع عن التركيبة الذرية لعنصر الحديد تحت المجهر وتفاعل الخل وبيكربونات الصوديوم والنظرية النسبية.

كما لجأت الصفحة لنشر محتوى تاريخي في صفحتها كمنشورات عن معاهدة فيرساي والحرب العالمية الأولى.

وتظهر المنشورات السابقة ضعفاً في الوصول إلى الجمهور والتفاعل، لتزامنها مع الأيام والأسابيع الأولى لإنشاء الصفحة، إضافة لنوع المحتوى الذي لا يعد تفاعلياً لدى الجمهور، على عكس المضامين التي نشرتها الصفحة لاحقاً بدءاً من 10 كانون الأول/ ديسمبر 2024.

محتوى غائب أم مُغيب؟

يشكل غياب المنشورات بعد تاريخ 8 تموز/ يوليو 2022 سؤالاً يستحق الوقوف عنده، حيث يُحتمل أن الصفحة توقفت عن النشر منذ ذلك الحين، كما يُحتمل أن المسؤولين عن الصفحة حذفوا كامل المحتوى الذي سبق الثامن من كانون الأول 2024، بما في ذلك محتوى عامي 2023 و2024، ولا تعرف الدوافع خلف الاحتمالين السابقين، غير أن المثبت هو تركيز الصفحة فيما بعد على نشر محتوى إخباري مضلل متعلق بالشأن السوري.

محتوى ما بعد سقوط النظام

اتخذت الصفحة نهجاً مختلفاً عقب سقوط النظام، فدأبت منذ 10 كانون الأول/ ديسمبر 2024 على نشر فيديوهات قديمة لمظاهرات ضد "هيئة تحرير الشام" وقائدها أحمد الشرع الذي كان يعرف باسم "أبو محمد الجولاني"، بغرض مهاجمة السلطة السورية الجديدة، والتذكير بمظاهرات نددت بحكمها في مناطق سيطرتها بمحافظة إدلب قبل معركة "ردع العدوان".

كما سعت الصفحة في تلك الفترة للتركيز على سردية تقوم على فكرة "الانتقال من حكم ظالم لحكم ظالم آخر"، ولتثبيتها اتخذت موقف الرافض لكلا السلطتين الجديدة والقديمة، ويظهر ذلك من خلال التعليقات والردود على المنشورات، وهذه عينة منها:

وفي ذات السياق يستخدم مسؤولو الصفحة صورة العميد في جيش النظام مصطفى شدود، والذي يعتبر رمزاً للوسطية، إذ  ذاع صيته عقب فيديو يُظهر إلقاء سلاحه وتوجهه للحوار مع عناصر من الجيش الحر، قبل أن يلقى حتفه بعد أيام من الحادثة، ما أدى لتبادل الاتهامات بخصوص مقتله؛ حيث اتهمت الفصائل المعارضة النظام بتصفيته بسبب تركه السلاح وحواره معهم في ساحة المعركة، بينما أعلن النظام مقتله متأثراً بإصابة في قدمه أثناء الاشتباكات، واتهم أنصاره المعارضة بذلك.

غير أن هذا الموقف المزيف لم يدم كثيراً، إذ تضمنت المنشورات اللاحقة صوراً وفيديوهات تمجد الأسد الابن ونظامه المخلوع، وهو ما يفسر دوافع وأسباب منشورات الصفحة المناهضة للحكم الانتقالي في سوريا.

"هكذا تحدث الأشياء" بؤرة تصريحات ملفقة

رصدت منصة (تأكد) ادعاءات غير صحيحة نشرتها صفحة "هكذا تحدث الأشياء That's How it is done"، وذلك في سياق مهاجمتها السلطة الجديدة، باستخدام تصريحات مفبركة تأخذ حيناً طابعاً ساخراً، لا تلبث أن تنتشر على صفحات أخرى كمنشور إخباري، لعل أبرزها ادعاء أن محافظ دمشق صرح بتغيير اسم ساحة المرجة ليصبح اسمها "ميدان الفاتح أحمد"، وادعاء "تصنيف الجيش السوري بين اقوى عشرة جيوش في الشرق الأوسط"، إضافة لادعاء "موافقة روسيا على تسليم "بشار الأسد"، وادعاء تصريح وزير الأوقاف السوري، محمد أبو الخير شكري مفاده أن"لا مشكلة في أن تكون القدس عاصمة لإسرائيل، المهم أن يبقى بإمكاننا الصلاة فيها".

ولا يقتصر الأمر على المنشورات التي أوضحت (تأكد) حقيقتها، إذ يزخر محتوى الصفحة بأخبار وتصريحات ملفقة ساخرة لا مصدر موثوق لها، بينها ادعاء تصريح وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني حول إيران بأنها: "حليف استراتيجي لسوريا منذ عشرات السنين"، وادعاء تصريح علي لاريجاني حول "رفض إيران لقاء أحمد الشرع"، وغيرها الكثير من التصريحات الملفقة.

وتبعاً لما سبق، فإن صفحة "هكذا تحدث الأشياء" تمثل نموذجاً آخر لصفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وجدت في الشأن السوري مدخلاً لكسب التفاعل، وتلفيق الأخبار والتصريحات من منطلق سياسي، وهو ما يلقى رواجاً رغم افتقار القائمين على الصفحة لأدنى مقومات العمل المهني.

وعليه تهيب منصة (تأكد) بالجمهور متابعة الأخبار من مصادر موثوقة، والتحقق من صحة الأخبار المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل مشاركتها، لتجنب نشر الذعر والمعلومات المضللة، ولكونه وجه من أوجه الوعي الرقمي الغائب عن الساحة الافتراضية السورية.