
تضليل في سياق التحريض والكراهية يرافق مظاهرات الساحل وحمص وحماة
شهدت مظاهرات اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة توترات على الأرض وتضليل وتلفيق في سياق التحريض جرى نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، المزيد في التقرير.

اتخذ اسم عملية "ردع العدوان" موقعاً بين أهم الأحداث في تاريخ سوريا المعاصر، لكونها أطاحت بنظام الأسد الذي حكم البلاد طوال 54 سنة، وأوصلت قائد هيئة تحرير الشام "أحمد الشرع" إلى رئاسة سوريا في المرحلة الانتقالية.
وارتبط اسم عملية "ردع العدوان" بغرفة العمليات التي جمعت الفصائل المشاركة في التحرير آنذاك تحت مسمى "إدارة العمليات العسكرية"، ومع توالي التصريحات والبيانات وتزامنها مع سيطرة المعارضة المسلحة على مناطق واسعة من جغرافية البلاد في زمن قياسي، تعاظم أثر التركيبين اللغويين السابقين، ليصبحا جزءاً لا يتجزأ من ذاكرة السوريين.
وبناء على ما سبق، استغلت بعض الصفحات في مواقع التواصل تأثير اسمي ردع العدوان وإدارة العمليات العسكرية، لتتخذ منهما اسماً جديداً، ومضموناً يواكب تغير المرحلة وتطوراتها، فتحولت صفحات ترفيهية أو تاريخية أو تجارية إلى صفحات إخبارية تحت مظلة هذين الاسمين، كما استُحدثت صفحات عديدة تحمل أحد الاسمين في مراحل زمنية تلت سقوط نظام الأسد.
تزامن إنشاء أول صفحة على موقع فيسبوك باسم إدارة العمليات العسكرية مع بدء عملية ردع العدوان، وذلك بتاريخ 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، واتخذت منشوراتها حينها طابعاً رسمياً، حيث أعلن القائمون عليها أنها "القناة الرسمية الخاصة بإدارة العمليات العسكرية ضمن عملية ردع العدوان"، وتبع ذلك نشر فيديوهات وتصريحات للمتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع في الحكومة الحالية، وأحد قادة هيئة تحرير الشام سابقاً، حسن عبد الغني، تتضمن آخر تطورات عملية ردع العدوان.
غير أن البحث العكسي باستخدام أداة Google Lens أثبت أن الفيديو منشور على حسابات أخرى في اليوم ذاته لكن في وقت سابق، وهو ما يدحض الادعاء بأنها "القناة الرسمية الخاصة بإدارة العمليات العسكرية".
توقفت هذه الصفحة عن النشر عقب سقوط النظام، وتحديداً بتاريخ 23 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وعاودت النشر بتاريخ 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، وبين التاريخين نشأت عشرات الصفحات التي تحمل الاسم ذاته، دون أن تحمل صفة رسمية.
شكل انهيار المؤسسات الإعلامية التقليدية التابعة لنظام الأسد فراغاً إعلامياً ملأته مواقع التواصل الاجتماعي، ودفع لمعان شعار "ردع العدوان" بعض الصفحات لاتخاذه اسماً معرفاً لها، ولعل أبرزها صفحة "ردع العدوان TV"، والتي نشأت باسم "بوت جيمر" عام 2021، قبل أن تمر بعدة تغييرات لتصل إلى الاسم الأخير بتاريخ 7 كانون الأول/ ديسمبر 2024.
وبرزت كذلك صفحة "عملية ردع العدوان لحظة بلحظة" في هذا السياق، غير أن إنشاؤها يعود لما بعد سقوط النظام وتحديداً في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2024.
واستمر ظهور الصفحات التي تشترك في الاسم والتوجه خلال الأشهر التالية، إذ أحصت (تأكد) أكثر من 16 صفحة تحمل أحد الاسمين، وتتراوح بين صفحات منشأة حديثاً لمواكبة أحداث الساحة السورية، وأخرى غيرت اسمها ومحتواها بشكل جذري بما يناسب المرحلة وتطوراتها، فيما يلي عيّنات من أبرز الصفحات وأكثرها تفاعلاً، مقرونة بتاريخ ظهورها بالاسمين «ردع العدوان» و«إدارة العمليات العسكرية».
إدارة العمليات العسكرية تاريخ الإنشاء 11 يناير (المتابعون 193 ألف).
ردع العدوان تم الإنشاء 25 يناير 2025 (المتابعون 213 ألف).
إدارة العمليات العسكرية /قرارات واخبار / - تم الإنشاء 23 فبراير 2025 (المتابعون 214 ألف).
إدارة العمليات العسكرية نشأت باسم "Nour Ali نور علي" بتاريخ 10 مايو 2022، و تم تغيير الاسم إلى إدارة العمليات العسكرية بتاريخ 7 مارس 2025 (المتابعون 673 ألف).
ادارة العمليات العسكرية تاريخ الإنشاء 12 مارس (المتابعون 28 ألف).
إدارة العمليات العسكرية نشأت باسم بيع قطع سيارات فولفو 16 فبراير 2018، ثم تغير إلى إدارة العمليات العسكرية بتاريخ 27 مارس 2025 (المتابعون 57 ألف).
شاهين ردع العدوان - تم الإنشاء 6 أبريل 2025 (المتابعون 179 ألف).
ردع العدوان 8.12.2024 تم الإنشاء 1 مايو 2025 (المتابعون 82 ألف).
إدارة العمليات العسكرية - تم الإنشاء 18 يونيو 2025 (المتابعون 375 ألف).
إدارة العمليات العسكرية بدأت باسم وطن في 2025 ونشرت فيديوهات درامية وكوميدية واخبار محلية ثم تم تغيير الاسم إلى إدارة العمليات العسكرية 31 يوليو 2025 (المتابعون 188 ألف).
إدارة العمليات العسكرية بدأت في 2016 باسم حكياتي بس لحبيبتي :$ تم تغيير الاسم إلى إدارة العمليات العسكرية بتاريخ 7 أغسطس 2025، ثم تم تغيير الاسم إلى أرواد جزيرتي - Arwad أكتوبر 2025 (المتابعون 25 ألف).
ادارة العمليات العسكرية بدأت باسم GOKER بتاريخ 12 نوفمبر 2023، تم تغيير الاسم إلى إدارة العمليات العسكرية في 21 أغسطس 2025 (المتابعون 260 ألف).
نلحظ مما سبق الانتشار الضخم لهذه الصفحات، من حيث العدد والتفاعل، ولأنها تقدم نفسها كمصادر إخبارية، ويعتمد عليها آلاف المتابعين في استقاء الأخبار، فإنها أصبحت تمثل خطراً حقيقياً على المشهد الإعلامي والوعي الجمعي للسوريين.
تقوم هذه الصفحات على أساس تضليلي عن سبق إصرار، كونها تتبنى أسماء حملت دلالات عسكرية وسياسية، ما يعطي انطباعاً للمتلقي بأنها صفحات رسمية أو شبه رسمية تابعة للسلطة الجديدة أو للقوى التي قادت التغيير، ويجعله يعتقد أنه أمام مصدر موثوق، بينما الحقيقة هي أن معظمها صفحات تحاول ركوب موجة الانتصار وجذب أكبر عدد من المتابعين.
استغلت الصفحات اكتسابها آلاف المتابعين، فأخذت دوراً محورياً في تشكيل سرديّة واحدة مهيمنة، من خلال نشر الأخبار وتوجيهها بشكل انتقائي، وطرح رواية أحادية الجانب للأحداث، أسوةً بباقي أطراف الصراع، مع تغييب تام حيناً وهجوم حاد حيناً على الآراء المعارضة، لخلق قاعدة شعبية غير ناقدة قد تنظر للقناعات المخالفة بعين الخيانة، ما يخلق بيئة خصبة للاستقطاب الحاد.
كشفت تحقيقات منصة "تأكد" عن انتشار واسع للمنشورات المضللة التي بثتها هذه الصفحات، غير أن آثارها بدت أكثر خطورة خلال أحداث الساحل والسويداء واشتباكات القوات الحكومية مع قوات "قسد"، وفيما يلي عينات من منشورات ملفقة أو مضللة سبق كشف زيفها.
شهدت أحداث الساحل السوري ارتكاب انتهاكات بحق المدنيين، بما في ذلك عمليات قتل خلال شهر آذار/ مارس 2025، وذلك عقب محاولة تمرد من قبل مقاتلين من بقايا قوات النظام السابق، سبب ذلك لجوء آلاف السكان إلى قاعدة حميميم.
استغلت هذه الصفحات الأمر لنشر سردية مضللة تستهدف القاطنين ضمن القاعدة الروسية، بينها ادعاء مطالبة اللواء جمال يونس بالحماية الدولية من داخل حميميم، ليتبين أن الشخص الظاهر في الصورة المرافقة للادعاء، يدعى يوسف جريشي، وعرض في فيديو مجموعة من الوثائق التي تثبت ذلك، من بينها بطاقته الشخصية.
وفي السياق ذاته، ومع انتشار فيديو لامرأة سورية رفقة مسلحين، في قرية قبو العوامية بريف اللاذقية، إذ فقدت ثلاثة من أبنائها في أحداث الساحل السوري، وساهمت هذه الصفحات في نشر معلومات تنسب قتلهم لـ"فلول النظام" مخالفة رواية ذوي الضحايا، غير أن المعلومات والشهادات أثبتت عدم صحة الادعاء وأن أولاد السيدة قضوا على قوات فصائل وزارة الدفاع أو المجموعات الموالية لها.
رافقت الاشتباكات المسلحة التي شهدتها محافظة السويداء في النصف الثاني من تموز/يوليو 2025 موجة كبيرة من المعلومات المضللة والمحتوى التحريضي، وكان لصفحات "ردع العدوان" و"إدارة العمليات العسكرية"، حصة من الصراع الافتراضي، حيث تحققت (تأكد) من عدة منشورات مصدرها الصفحات السابقة، فاستخدمت مقطعاً من فلسطين على أنه "تسريب مصور لميليشيات الهجري وهي تعذب وتحطم عظام المعتقلين لديها من عشائر البدو في قرية المنصورة".
وبشكل مشابه، وظفت تلك الصفحات صورة تعود لامرأة قضت في مخيم الباغوز، لنشر ادعاء يزعم "مقتل امرأة على يد جماعة الهجري في السويداء".
كما نشرت إحدى الصفحات المذكورة ادعاء مفاده "الإعلان عن مقتل 20 مسلحاً لبنانياً أرسلهم وئام وهاب إلى السويداء، إلا أن مصادر من العائلة أكدت لمنصة (تأكد) أن بيان النعوة صادر فعلاً عن العائلة في لبنان، لكنه يخص مدنيين من أبناء محافظة السويداء.
شكل التوتر في محيط حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب في تشرين الأول/ أكتوبر 2025 مادة دسمة للتضليل، حيث استخدمت صفحة "أدارة العمليات العسكرية" صورة قديمة تعود لكانون الأول 2024، في نشر ادعاء "إلقاء القبض على عُنصرَتين من ميليشيا قسد"، وذلك بهدف خلق هالة من القوة، وشحن المتابعين عاطفياً ودفعهم لتبني الحل العسكري بدل السعي لحلول سياسية.
ولتكريس الهدف السابق، استعملت صفحة "إدارة العمليات العسكرية" فيديو من لبنان، ونشرته مرافقاً لادعاء "الطيران التركي ينفذ غارات على منطقة الكسرات جنوب مدينة الرقة". فيما استخدمت صفحة "شاهين ردع العدوان" فيديو قديم يعود لعام 2023، في ادعاء مفاده "سيطرة العشائر على مدرعات قسد".
أدى نشر أخبار كاذبة عن أحداث الساحل والسويداء والتشكيك بمقتل ضحايا مدنيين، إلى خلق حالة من الغضب لدى المجتمعات المتضررة، وحالة من الإنكار لدى متابعي هذه الصفحات، ما سبب شرخاً مناطقيّاً وطائفيّاً، وشكل تحدياً أمام محاولات بناء الثقة بين المكونات المجتمعية.
كما كشف التزييف عن ضعف الآليات الرقابية للسلطة الجديدة في السيطرة على الفضاء الإلكتروني، خاصة مع ترافقه بمنشورات تحريضية ذات طابع مناطقي أو طائفي أو قومي، وهو ما استغلته بدورها أطراف الصراع الأخرى، في محاولة لتقويض شرعية الحكم الانتقالي في نظر الرأي العام الداخلي والخارجي.
إضافة لذلك، خلق توظيف هذه الصفحات لمقاطع فيديو وصور قديمة أو من سياق آخر في سياق أحداث جديدة، هالة وهمية من القوة، وشحَن المتابعين عاطفياً تحت عناوين "انتصارات استراتيجية"، ما دفعهم لتبني رأي عام يقوم على الحل العسكري بدل السعي لحلول سياسية.
في تصريح خاص لمنصة (تأكد)، بيّن مدير العلاقات الحكومية في وزارة الإعلام، محمد الأسمر، عدم تبعية أي من هذه الصفحات لأي جهة رسمية، على اعتبار أن استخدام تركيبي "ردع العدوان" و"إدارة العمليات العسكرية" انتهيا مع سقوط النظام، داعياً المتابعين لنبذ هذه الصفحات لكونها تحاول إضفاء صفة رسمية أو شبه رسمية على محتواها.
على الرغم من تأكيد وزارة الإعلام على عدم تبعية الصفحات التي تخفّت خلف اسمي "ردع العدوان" و"إدارة العمليات العسكرية" لأي جهة رسمية أو حكومية، إلا أن خطورتها مستمرة وقائمة في ظل التضليل المتعمد الذي تتبعه، إذ تسهم منشوراتها الملفقة في خلق بيئة خصبة للاستقطاب، وتعزيز سردية أحادية تخلق رأياً عاماً ينظر للاختلاف على أنه خيانة.