تأكد

تهديد أمني يشعل الجدل.. والسياق الكامل يكشف القصة المخفية

رافي برازي

رافي برازي

تعديل ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٥
نشر ١٩ سبتمبر ٢٠٢٥
تهديد أمني يشعل الجدل.. والسياق الكامل يكشف القصة المخفية

مقطعٌ قصير أشعل مواقع التواصل، بعدما ظهر فيه عنصر أمني يوجّه تهديدات مباشرة لسائقي الشاحنات المحتجين. بدا المشهد وكأنه عودة إلى خطاب الوعيد والتهديد، لكن ما خفي كان أعقد مما ظهر. فالتسجيل المتداول لم يكن سوى جزء مقتطع من حادثة أوسع شهدت اعتصامات وأحداث شغب واحتكاكات مع قوى الأمن، لتكشف لاحقاً عن أزمة أعمق تضرب قطاع النقل البري السوري منذ سنوات.

مقطع متداول لأمني يهدد السائقين

نشرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوراً يُظهر عنصراً أمنياً يوجّه تهديدات مباشرة لسائقي الشاحنات في محافظة حمص، الذين خرجوا في تجمعات احتجاجية ضد ما وصفوه بفساد "مكاتب الدور" التابعة لوزارة النقل. وجرى تداول المقطع في سياق يربطه بعودة خطاب التهديد والوعيد في حال المساس برموز الدولة أو الاعتراض على السياسات الرسمية.

Image
Image

ويُسمع عنصر الأمن في التسجيل وهو يخاطب السائقين بلهجة محتدّة، محمّلاً إياهم المسؤولية الكاملة عن أي تصرّفات "خارج الأعراف"، ومؤكدًا أن هناك قنوات وإجراءات رسمية يتوجب عليهم الالتزام بها لمعالجة قضاياهم.

المقطع الكامل يكشف سياق

حصلت منصة (تأكّد) على النسخة الكاملة من الفيديو المتداول بشكل مجتزأ، وتبيّن أن الشخص الظاهر فيه هو أبو أنس طيارة، المسؤول عن أمن الطرقات في حمص. ويُظهر التسجيل أن حديثه لم يقتصر على اللهجة الحادة التي برزت في المقطع المقتطع، بل تضمّن رواية موسّعة لما جرى خلال احتجاج سائقي الشاحنات.

أبو أنس طيارة

وفي تصريحات خاصة للمنصة، أوضح أبو أنس أنه تلقى بلاغاً عن الاعتصام فأرسل دورية للتعامل مع الموقف، لكنها وقعت تحت حصار المعتصمين الذين اعتدوا على عناصرها. عندها، تحرك برتل مؤازر إلى الموقع ليجد الطريق مقطوعًا بشكل كامل، وعدداً من الشاحنات مكسّرة، بينها شاحنة لسائق أردني كان مضرجاً بالدماء بعد إصابته في رأسه وفق قوله، وأضاف أنه عمل أولاً على تأمين مرور السيارات وفتح الطريق، ثم جمع السائقين في ساحة قريبة للاستماع إلى مطالبهم.

وبيّن أبو أنس أنه لم يخاطب السائقين بصفته رجل أمن فحسب، بل بصفته واحداً من أبناء المهنة، وبأن والده عمل في قطاع الشحن وأن العديد من السائقين يعرفونه شخصياً. وقال إنه حاول أفهامهم أن مطالبهم مشروعة، "لكن طريقة التعبير عنها كانت خاطئة بعدما رافقتها اعتداءات وشتائم بحق شخصيات حكومية، من بينهم المحافظ ووزير النقل، وصلت إلى حد الإساءات الشخصية".

وأكد أنه عرض عليهم تشكيل وفد من عشرة أشخاص لمقابلة المسؤولين بشكل مباشر وتقديم مطالبهم بالطرق الرسمية،  واعتبر أبو أنس أن لهجته وعبارته "فلا يلوم إلا نفسه" كانت تحذيرية وليست تهديدية، وأنه وجهها لمن يصرّ على قطع الطرقات أو توجيه الإساءات لرموز الدولة على حد قوله، مضيفاً أن ما ظهر في المقطع المجتزأ لا يعكس كامل حديثه الذي حاول فيه تهدئة السائقين والتوصل إلى حل سلمي ينهي الأزمة ويفتح الطريق الدولي الحيوي.

كما لفت إلى أن بعض المشاركين في الاعتصام كانوا مستفيدين من أصحاب أساطيل النقل الكبيرة، ما ساهم – بحسب روايته – في تأجيج الموقف وإطالة أمد التوتر، وأوضح أن مهمته أمنية وليست سياسية، وأنه يحمل السلاح لضبط الأمن وحماية نفسه، خاصة بعد تعرضه لاعتداء قبل يوم من الواقعة. واعتبر أن حرية الاعتراض لا تعني تكسير الممتلكات أو إهانة الآخرين، بل يجب أن تمر عبر القنوات المؤسسية.

وأشار أبو أنس في روايته إلى أنه لم يُقدِم على شتم أو اعتقال أحد، موضحاً أن الخطأ الأساسي كان في قيام بعض السائقين بقطع الطرقات والاعتداء على سيارات شحن لم تكن مشاركة في الإضراب، وذكر أن الاجتماع انتهى بتوافق على تهدئة الموقف وفتح الطريق، مع الاتفاق على أن يوفد السائقون مجموعة منهم لمقابلة وزير النقل لمناقشة المطالب. وأوضح أن الأجواء هدأت لاحقاً، وأن السائقين أنفسهم أبدوا نوعاً من الندم على ما جرى، قبل أن يتم الاتفاق على فتح الطريق وعودة الحركة بشكل طبيعي.

مقاطع إضافية تكشف اعتداءات

وأظهرت المقاطع الإضافية التي حصلت عليها المنصة أن الحادثة لم تقتصر على مشادات كلامية، بل شهدت اعتداءات مباشرة طالت عناصر الأمن وعدداً من سائقي الشاحنات ومركباتهم، حيث جرى تكسير سيارات وشاحنات.

وبحسب مصادر خاصة من موقع الحدث -رفضت الكشف عن هويتها- بأن دوريات الأمن حاولت التدخل لاحتواء الموقف، إلا أن بعض المحتجين أقدموا على مهاجمتها.

وبحسب المصادر عند وصول القائد الأمني إلى المكان، كان المشهد قد بلغ مرحلة من التوتر بعد إصابة السائق الأردني وتضرر ممتلكات عامة وخاصة. حينها حاول تهدئة السائقين ودعاهم إلى طرح مطالبهم عبر القنوات الرسمية، غير أن دعواته المتكررة قوبلت بالرفض والتجاهل. وتوضح النسخة الكاملة من التسجيل أن خطابه المحتدّ، الذي انتشر لاحقاً بشكل مجتزأ، جاء عقب سلسلة من السباب والسخرية التي وجهها بعض السائقين لشخصيات حكومية، بينهم المحافظ ووزير النقل، الأمر الذي يضع المقطع المتداول في سياق أوسع مما رُوِّج له على منصات التواصل.

السائقون يطالبون بالمعاملة بالمثل

أفادت مصادر لمنصة (تأكّد) -رفضت الكشف عن هويتها ولها صلة بقطاع النقل البري ومواكبة لتطورات الاعتصامات الأخيرة- أنّ التحركات التي أطلقها سائقو الشاحنات في حمص بين يومي الأحد والإثنين 14-15 أيلول/سبتمبر 2025 خرجت عن هدفها المطلبي بعد أن تخللتها أعمال شغب وتخريب طالت ممتلكات خاصة وسيارات مارة لم تكن مشاركة في الاحتجاج. وأوضحت المصادر أنّ هذه الأحداث عطّلت الحركة على الطريق الدولي الحيوي قبل أن تهدأ الأوضاع لاحقاً بتدخل شخصيات محلية ومسؤولي الأمن الذين أعادوا فتح الطرق وبدأوا حواراً مع السائقين.

وأشارت المصادر إلى أنّ جذور الأزمة تعود إلى التوقف شبه الكامل لآلاف الشاحنات السورية – ولا سيما المبردة منها – عن العمل منذ سنوات، نتيجة حرمان السائقين من تأشيرات الدخول إلى دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية التي تُعد البوابة الأساسية لهذا الخط. وأكدت أنّ ذلك ألحق خسائر كبيرة بأصحاب الشاحنات وترك آلاف الأسر بلا مصدر دخل، في وقت ارتفعت فيه الرسوم والضرائب بشكل غير مسبوق.

وأضافت المصادر أنّ الأردن زاد من تعقيد المشهد بعد إعادة فتح معبر نصيب – جابر عام 2018، من خلال فرض رسوم مرور مرتفعة وتحديد أعداد محدودة من الشاحنات السورية المسموح بعبورها يومياً، ما أدى إلى تكدس مئات الشاحنات على الحدود لفترات طويلة. وطالب السائقون بتطبيق مبدأ "المعاملة بالمثل" مع الدول المجاورة، بحيث لا يُسمح بدخول شاحنات الدول التي تمنع دخول الشاحنات السورية.

كما طرح السائقون حلولاً إسعافية، أبرزها إعادة تفعيل نظام المبادلة في معبر نصيب بما يتيح للشاحنات السورية استكمال عمليات النقل داخل الأراضي السورية، فضلًا عن إلزام الشاحنات الأجنبية القادمة من الخارج بتفريغ حمولتها على الحدود لتتولى الشاحنات السورية توزيعها. ورأت المصادر أنّ هذه الإجراءات، رغم طابعها المؤقت، يمكن أن تشغّل جزءاً من أسطول النقل المتوقف وتخفف من الأعباء المعيشية.

Image

وعلى صعيد التنظيم الداخلي، أوضحت المصادر أنّ وزارة النقل طرحت فكرة المنصة الإلكترونية بديلاً عن مكاتب الدور التقليدية، معتبرة أنها خطوة نحو الشفافية، غير أنّ ضعف البنية التحتية حال دون تطبيقها الكامل. وفي اليوم التالي للاحتجاجات، انتقل المشهد من مظاهر الغضب إلى خطوات أكثر تنظيماً، إذ افتُتحت خيم اعتصام في بعض المواقع، وحصلت منصة (تأكّد) على صورة لهذه الخيم التي تعكس سعي السائقين لإيصال صوتهم ومطالبهم عبر اعتصام منظم.

Aa
18

ذو صلة

تأكدAI