
مظلوم عبدي لم يعلن تعطيل اتفاق 10 آذار مع دمشق
زعمت حسابات وصفحات عامة عبر موقعي فيسبوك وإكس أن "مظلوم عبدي" قائد قوات سوريا الديمقراطية أعلن تعطيل اتفاق 10 آذار مع الحكومة السورية، إلا أن الادعاء مضلل.


في صباح 08 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، تعرض الطفل "محمد قيس حيدر" لحادثة اختطاف في مدينة اللاذقية، بعدما اقتاده بالقوة ملثمون من أمام مدرسته، وفق روايات شهود عيان.
أثارت الحادثة مشاعر كثير من السوريين، فتصدّر اسم الطفل أخبار وسائل الإعلام ومنصات التواصل، وتعالت الأصوات المطالبة بالعمل على إطلاق سراحه ووضع حدّ لظاهرة الاختطاف.


هذه الحادثة ليست استثناءً في الساحل السوري، بل هي حالة من سلسلة حالات خطف متواصلة منذ سقوط نظام الأسد في 08 كانون الأول/ ديسمبر 2024، ففي تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية، ورد أن "ما لا يقل عن 36 امرأة وفتاة من الطائفة العلوية، تتراوح أعمارهن بين ثلاث سنوات و40 سنة، اختُطفن منذ شباط/ فبراير 2025 في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص، وفي معظم الحالات تقاعست السلطات عن التحقيق الفعّال". وبحسب تحقيقٍ لرويترز، فإنه في بعض حالات الخطف تلقت أسر الضحايا مطالب من الخاطفين بدفع فدية وصلت في إحدى الحالات إلى 15 ألف دولار.
بينما تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان لمنصة (تأكد) إنها وثقت ما لا يقل عن 212 شخصاً بينهم 8 أطفال و9 سيدات، تم اختطافهم في سوريا على يد عناصر مجهولة، منذ سقوط النظام وحتى 23 تشرين الأول 2025 وقد أطلق سراح 43 منهم وعثر على جثامين 76 قتلوا بعد ساعات من اختطافهم.
ووفقاً للحالات التي رصدتها الشبكة فإن دوافع الخطف في غالب الحالات هي انتقامية ضد عناصر أو متعاونين مع النظام السابق وفي حالات أخرى بهدف الابتزاز المالي لعائلات الضحايا دون أن تتوصل تحقيقات الشبكة لإثبات نمط طائفي ممنهج.
ورغم خطورة هذه الأرقام، برز على النقيض من ذلك من حاول إنكار ظاهرة الخطف أو توظيفها سياسياً لصالح السلطة أو ضدها، صفحات وحسابات على مواقع التواصل بعضها كانت موالية لنظام الأسد، وجدت في اختلاق أسماء وصور مختطفين ومفقودين سبيلاً لتوظيف القضية سياسياً، فبينما تُكافح عائلات الضحايا لمعرفة مصير أحبّائها، تتكاثر على المنصّات روايات ملفقة وأسماء مختلقة وصور مضللة تُقدَّم كحقائق، وتشوه القضية الإنسانية الأصلية.
رصدت منصة (تأكد) منذ مطلع العام 2025 وحتى الآن اختلاق قصص كاملة لمخطوفين ومفقودين مع صور مسروقة، ففي كانون الثاني/ يناير 2025، جرى تداول منشوراتٍ تزعم فقدان رجلين من ريف حمص، تبيّن أن أحدهما هو منير نصراوي، والد لاعب برشلونة الإسباني لامين يامال.
وبعدها بشهر، انتشرت صورة أخرى نُسبت إلى شاب يُدعى "إيليا حنا" قيل إنه اختُطف على يد الأمن العام، قبل أن يتضح أن الصورة تعود للرياضي الجورجي إيليا توبوريا، بطل فنون القتال المختلطة.
وفي آذار/ مارس 2025، تداولت صفحات محلية منشوراتٍ مع صورة تزعم لفتاة اسمها "مايا علو" اختطفت ووُجدت مقتولة في تل كلخ، لتُكتشف لاحقاً أنها صورة مدوّنة إيرانية تُدعى "نوفهر زماني".
إحدى طرق نشر التضليل والتلفيق حصل عبر خداع الصفحات بإرسال منشورات وصور مزيفة على أنها لمفقودين ومختطفين بهدف ضرب سردية الخطف، ففي 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، نشرت صفحة تدعى "المفقودين" عن فقدان "علا عاصم عوض" أثناء سفرها من جبلة إلى حمص مرفقة بصورة، وجرى تداول الخبر والصورة على نطاق واسع، لاحقاً، نشرت الصفحة توضيحاً مرفقاً بلقطاتٍ من المحادثات أوضحت فيه أنها تلقّت الصورة والبلاغ برسالة خاصة وجرى النشر دون تحقق كافٍ.
حسابات موالية للسلطة نشرت رواية معاكسة وقالت إن الصورة تعود لسيدة من المكسيك تدعى Minet García، وبالفعل تواصل فريق منصة تأكد مع السيدة المكسيكية على حسابها في أنستغرام وأكدت لمنصتنا أن الصورة لها، ولم يسفر البحث المتقدم بالكلمات المفتاحية أي إشارة إلى السيدة التي زعم أنها فقدت، وهو ما يثبت أن الادعاء كان كاذباً.





ما تكشفه النماذج السابقة ليس مجرّد أخطاء في النشر، بل نمط من التضليل الممنهج الذي يضرّ بالضحايا الحقيقيين ويشوّه معاناتهم، فبين الخطف الحقيقي والخطف الافتراضي، تضيع الحقيقة.
يقول دُمر سليمان، عضو منظمة سين للسِّلم الأهلي، إن تداول الأخبار غير الدقيقة حول عمليات الخطف "تُضعف مصداقية الروايات الميدانية الموثّقة، وتقلّل من فعالية جهود المنظمات في متابعة القضايا وضمان حقوق الضحايا وعائلاتهم، فهي تشكل تحدّيًا مباشرًا لقدرة الحقوقيين على توثيق الانتهاكات بدقة وتقديم تحليلات موثوقة". وأوضح أن الجهود الحقوقية تصبح أقل فاعلية عندما تُستنزف في التمييز المستمر بين الوقائع الحقيقية والشائعات، ما يستهلك الموارد ويؤخّر الإجراءات الضرورية لتحقيق العدالة.
وأضاف أن هذه الظاهرة تشكّل خطراً مباشراً على النسيج الاجتماعي السوري، وتعمّق حالة الهشاشة والقلق التي يعيشها السوريون منذ سنوات، "كما يُعيد إنتاج دوّامة الخوف والريبة التي تتحوّل تدريجياً إلى نمطٍ سلوكيّ جماعيّ، فيحاصر القلق الناس في منازلهم ويحدّ من أنشطتهم اليومية، ويُصيب عائلات المختطفين بالإحباط والعجز".
في تصريحاتٍ خاصة لمنصة (تأكد)، قدّمت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مجموعة من التوصيات للجمهور للتعامل بمسؤولية مع أخبار الخطف، أبرزها:
في النهاية، لا يقتصر خطر الخطف في سوريا على من يُختطفون فعلاً، بل يمتدّ إلى اختطاف الوعي العام حين تُروَّج قصص مختلقة أو مضللة دون تحقق.
فكل رواية ملفقة تُعيد اختطاف الضحايا الحقيقين من جديد، وتُضعف الإيمان بالعدالة. وحدها الدقّة في السرد قادرة على أن تحفظ للضحايا عدالتهم، وللمجتمع ثقته بالحقيقة.