لا تزال صفحات وحسابات ذات توجّهات معارضة للسلطة الحالية على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ الأسابيع الأولى التي تلت سقوط النظام وإلى اليوم، تعمل على نشر مقاطع فيديو مرتبطة بتنظيم "داعش" وممارسات عناصره، وتبثّها على أنها ملتقطة حديثاً في سوريا خلال حكم السلطة الجديدة.
يسعى أصحاب تلك الحسابات من خلال إعادة تدوير هذه المقاطع إلى ترويج دعاية مفادها أنّ التطرف عاد ينتشر في البلاد، وأنّ سوريا باتت بيئة خصبة للإرهاب، أو أنّ الحكومة السورية سمحت للمتطرفين بالظهور.
تحطيم "الستلايت" في دير الزور
في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، انتشر مقطع يُظهر عدداً من الأشخاص يقومون بتحطيم أجهزة اللواقط الفضائية "الستلايت"، ويظهر بينهم شاب يدعو إلى تحطيم "الدّش" معتبراً أنّه "مليء بالكفر والفسق".
وأرفق المقطع بمنشورات تزعم أنّه يوثّق حملة تجري حالياً في سوريا، وأنّ من يظهرون فيه هم من عناصر "الأمن العام" ويمثّلون الجهة التي تحكم البلاد اليوم.
أجرى فريق منصة (تأكد) بحثاً عكسياً للتحقق من صحّة الادعاء، فتبيّن أنّه مضلل، وأنّ المقطع قديم ومنشور سابقاً قبل تسع سنوات وليس له علاقة بالواقع الحالي في سوريا والفيديو جزء من أحد إصدارات تنظيم "داعش"، ويظهر في الزاوية العليا راية التنظيم مع اسم "ولاية الخير"، وهي التسمية التي أطلقها التنظيم سابقاً على محافظة دير الزور.
هذا المثال الأحدث يقدّم نموذجاً واضحاً للطريقة التي يُعاد بها تدوير إنتاجات "داعش" القديمة لتصويرها كأنها تعكس "الواقع الحالي" في سوريا، بما يخدم خطاب التخويف من التطرف وإلصاقه بالواقع الحالي.
أبرز المقاطع التي رصدتها تأكد خلال عام 2025
المقطع السابق ليس إلا جزء من سلسلة من المقاطع القديمة العنيفة أو الصادمة من إنتاج تنظيم داعش في العراق أو سوريا قبل سنوات والتي أعيد ضخّها خلال عام 2025 لتغذية السردية ذاتها. وخلال هذا العام، تحققت منصة (تأكد) من عدة أمثلة بارزة توضح هذا النمط بوضوح:
"زائرون من داغستان والشيشان" في أسواق دمشق أم عناصر داعش في الموصل؟
وفي محاولة أخرى للربط بين السلطة الحالية والتطرف، نشرت حسابات عبر موقعي فيسبوك وإكس في تشرين الأول/ أكتوبر 2025 مقطعاً مصوراً لشخصين يرتديان الزي الأفغاني ويتجولان في أحد الأسواق، مع مزاعم بأنهما "زائران من داغستان والشيشان" يتجولان في أسواق دمشق تحت حراسة أمنية، ويطلبان تعديل عرض الملابس النسائية.
لكن المقطع في حقيقته قديم ويعود إلى عام 2014، ويوثّق دوريات لعناصر من تنظيم "داعش" في أسواق الموصل العراقية بعد إصدار قرار يقضي بإغلاق المتاجر أثناء الصلاة.
مقطع إعدام شاب بصاروخ من إصدار قديم في العراق
وفي آب/ أغسطس 2025 جرى تداول مقطع يُزعم أنّه يوثّق إعدام شاب سوري على يد أجنبي بصاروخ في إحدى مناطق البلاد الخاضعة للسلطة الانتقالية. لكن المقطع في الحقيقة قديم وسبق أن بثه تنظيم داعش في أيار 2015، ويظهر إعدام شاب من أبناء عشيرة الشعيطات بدير الزور.
"منع بيع الدخان": حملة شرعية أم إصدار من "ولاية الفلوجة"؟
وفي أيار/ مايو 2025، انتشر على فيسبوك مقطع فيديو يُظهر شخصاً يتحدث أمام جمع من الحضور، معلناً أنّ "الدخان حرام شرعاً" وأنّ بيعه "كسب غير جائز"، قبل أن يقترب من محلّ تجاري ويطلب إغلاقه بسبب بيع السجائر، مع تعليق يزعم أنّ الرجل يتبع للحكومة السورية الانتقالية، وأنّ المقطع يوثّق حملة رسمية لمنع بيع الدخان في المناطق الخاضعة لها.
وهو ادعاء مضلل، فالمقطع جزء من إصدار مرئي قديم لتنظيم "داعش" بعنوان "وتواصوا بالحق 4"، ضمن سلسلة إصدارات تحمل الاسم ذاته، وصدر بتاريخ 26 تموز/يوليو 2015 عن ما يُعرف بـ"ولاية الفلوجة" في العراق.
طفلة منقبة تقطع رأس دمية: واقع أطفال سوريا أم دعاية قديمة؟
أما أحد أكثر المقاطع إثارةً للجدل فكان ذلك الذي نشر بتاريخ 13 نيسان/ أبريل 2025 ويُظهر طفلة صغيرة منقبة تقوم بقطع رأس دمية بسكين، على أنشودة جهادية.
وقد أرفق المقطع بادعاء يقول: "هذا ما يُدرَّس للأطفال السوريين بعد استيلاء الجولاني على السلطة في سوريا"، وجرى تداوله باللغتين العربية والإنكليزية، ما منحه انتشاراً واسعاً.
التحقق الذي أجراه فريق (تأكد) أظهر أنّ الادعاء مضلل، إذ بيّنت نتائج البحث العكسي باستخدام أداة InVid أنّ الفيديو يعود لمادة نُشرت عام 2016 عبر حسابات داعمة لتنظيم "داعش" على تطبيق "تيليغرام". كما نُشرت نسخة منه على موقع "MEMRI" بتاريخ 3 آب/أغسطس 2016 بعنوان (Little Girl Sings ISIS Song, Beheads Doll).
ذبح سجناء علويين على يد "هيئة تحرير الشام" أم جريمة قديمة في الشدادي؟
وأخيراً، تداولت حسابات على فيسبوك مقطع فيديو مرفقاً بادعاء يزعم أنّه يوثّق ذبح سجناء علويين على يد "هيئة تحرير الشام"، مع الإيحاء بأنّ الحادثة وقعت بتاريخ 2 نيسان/أبريل 2025. يظهر الفيديو مجموعة تنفذ عملية إعدام ذبحاً في ساحة عامة، بينما يحاول الضحية المقاومة وطلب النجدة
لكن البحث العكسي أثبت أن المقطع قديم ويعود لعناصر تنظيم "داعش" في بلدة الشدادي بريف الحسكة عام 2015، حيث أعدم رجلاً بتهمة "سبّ الذات الإلهية".
"سوريا الجديدة الأفغانية الباكستانية": دورية "الحسبة" في الموصل
وبنمطٍ مشابه في شباط/ فبراير 2025، أعادت حسابات عبر منصة "إكس" نشر مقطع قديم منشور منذ عام 2016 مقطع فيديو يظهر فيه شخصان يجوبان أحد الشوارع، يدعوان الناس إلى ترك التدخين وإطلاق اللحية، مع تعليقات تزعم أنّ المقطع مصوّر حديثاً في سوريا، وأنّه يجسّد ما وصفه بعض المستخدمين بـ"سوريا الجديدة الأفغانية الباكستانية".
لكن في الحقيقة المقطع مُجتزأ من أحد إصدارات "داعش" في مدينة الموصل بالعراق تحت عنوان "صون الفضيلة في ردع الرذيلة".
صعوبات التحقق من أصول مقاطع داعش
تشكّل البيئة الرقمية الحالية تحدّياً حقيقياً أمام الصحفيين والباحثين الراغبين في التحقق من أصول المقاطع المنسوبة لتنظيم "داعش". فمنذ عام 2019، تبنّت المنصات الكبرى مثل يوتيوب وفيسبوك وتويتر (X) سياسة الحذف الشامل للمحتوى المرتبط بالتنظيمات المتطرفة، ما أدّى إلى تآكل الأرشيفات الأصلية التي كانت تشكّل مرجعاً مهماً للتحقق الزمني والمكاني.
نتيجةً لذلك، أصبح من الصعب على الصحفي أو المستخدم العادي تتبّع النسخة الأولى لأي مقطع يُعاد تداوله، الأمر الذي أتاح بيئة خصبة للمضلِّلين لاستغلال هذا الفراغ وبثّ محتوى قديم على أنه حديث.
ويبقى الحلقة الأضعف في هذا التضليل هو الجمهور لما يتعرض له من رسائل توظف العنف المؤشف وتبثه على أنه مرآة للواقع
ومن هنا تبرز أهمية منصات التحقق من المعلومات كمنصة (تأكد)، التي تعتمد على أدوات البحث العكسي، وتتبع الأرشيفات المفتوحة، وربط الأدلة البصرية بالمكان والزمان، لكشف الخلفية الحقيقية للمقاطع المتداولة.