تأكد

قرارٌ بلا عقوبات… ونقاشٌ بلا سقف: أين تقف سوريا من معادلة الفصل السابع؟

رافي برازي

رافي برازي

تعديل ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٥
نشر ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٥
قرارٌ بلا عقوبات… ونقاشٌ بلا سقف: أين تقف سوريا من معادلة الفصل السابع؟

بصدور قرار مجلس الأمن الذي شطب اسمَي الرئيس أحمد الشرع ووزير داخليته أنس خطاب من قوائم الإرهاب المرتبطة بلائحة عقوبات داعش والقاعدة، اندفعت موجة واسعة من الجدل حول دلالاته، خصوصاً بعد أن تضمّن النص عبارة تفيد بأنه صيغ “بموجب الفصل السابع”. هذا التفصيل وحده أعاد إلى الواجهة إرث العقوبات الثقيلة في العراق وتدابير أزمة لوكربي الليبية، وفتح الباب أمام سلسلة من التكهنات حول احتمال دخول سوريا في مسار أممي جديد أو خضوعها لترتيبات أكثر صرامة.

واختلفت القراءات بين اتجاه يرى في القرار رسالة سياسية غير معلنة تعكس تغيراً في نظرة مجلس الأمن إلى السلطة الجديدة في دمشق، واتجاه آخر يعتبره تحديثاً فنياً بحتاً في نظام عقوبات موجود منذ سنوات، لا يتجاوز حدود شطب اسمين من اللائحة. وبين هذه المقاربات المتناقضة، تمدّد النقاش في الساحة السورية من التفسيرات القانونية إلى التخمينات السياسية، ما منح القرار ثقلاً يفوق حجمه النصّي.

وفي هذا السياق، عاد سؤال جوهري إلى الواجهة: ما الذي يعنيه فعلاً أن يصدر قرار يتعلق بسوريا تحت الفصل السابع؟ وهل نحن أمام تعديل حقيقي في موقع الدولة داخل المنظومة الأممية، أم أمام خطوة تقنية محدودة جرى تضخيمها بفعل المناخ السياسي المتوتر المحيط بالملف السوري؟

القرار 2799 بين السياق السياسي وحدوده القانونية

رغم أن القرار 2799 يقتصر من حيث مضمونه التنفيذي على رفع اسمَي الرئيس أحمد الشرع ووزير داخليته أنس خطاب من لائحة عقوبات داعش والقاعدة، فإن توقيته تزامناً مع المرحلة الانتقالية في دمشق فتح الباب أمام قراءات سياسية واسعة. فالبعض رأى في رفع اسمَي أعلى منصبين سياسي وأمني من لائحة العقوبات بالاعتماد على الفصل السابع إشارةً صامتة إلى أن مجلس الأمن بدأ يتعامل مع البنية الجديدة للسلطة السورية بمنظور مختلف عن مرحلة ماقبل القرار، وربط هذه الخطوة بتحوّل محتمل في المقاربة الأممية تجاه الملف السوري.

لكن المصادر الأممية التي تحدثت لمنصّة تأكد تُجمع على أن هذا التأويل يتجاوز حدود النص، ولا يستند إلى أي أساس قانوني. إذ يوضح دبلوماسي يعمل داخل الأمم المتحدة أن سوريا “لم تكن في أي وقت ضمن مسار عقوبات موجَّه للدولة نفسها، ولا خضعت لتدابير الفصل السابع يشبه ما فُرض على العراق أو ليبيا”، وأن كل الإجراءات السابقة اقتصرت على إدراج أفراد وكيانات إرهابية. 

ويعزز هذا التقييم مسؤول أممي يعمل ضمن آلية العقوبات المتعلقة بالشأن السوري، مشيراً إلى أن كيانات مثل هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني ما تزال مدرجة بالكامل حتى اليوم، وأن نظام العقوبات الأممي يستهدف الأفراد والكيانات المصنّفة إرهابياً بصفتها الفردية، لا باعتبارها جزءاً من مؤسسات الدولة.

ويضيف المسؤول أن الأمم المتحدة لا ترى أي مؤشرات على وجود عناصر مصنّفين إرهابياً يشغلون مواقع عليا داخل الدولة السورية في المرحلة الحالية، خصوصاً بعد رفع اسمَي الرئيس ووزير داخليته من اللائحة. وهذا يعني أن عملية الشطب، في نظر المنظومة الأممية، لا ترتبط بإعادة تقييم هيكل السلطة، بل بقرار تقني يخصّ قائمة الأفراد فقط.

وتتابع خبيرة في القانون الدولي وآليات الأمم المتحدة للمنصة في هذا المنحى، مؤكدة أن ورود القرار “تحت الفصل السابع” لا يمنح النص أي قوة إلزامية ما دام لا يطلب من سوريا فعلاً أو امتناعاً. فالشطب لا يفتح مساراً قانونياً جديداً، ولا يفرض التزامات، ولا يتضمن آليات امتثال، ولا يمكن حتى “مخالفته” لعدم وجود واجب أصلاً.

 وتوضح أن نظام العقوبات يُحدّث تلقائياً عند تعديل اللائحة، وأن أثر القرار يقتصر على رفع العقوبات عن الأفراد المشطوبين، دون أي تأثير على وضع الدولة القانوني داخل منظومة الأمم المتحدة.

وتتفق المصادر الأممية، على أن مجلس الأمن هو وحده الجهة المخوّلة بتفسير قراراته وتحديد اتجاهها المستقبلي، وأن أي محاولة لقراءة القرار باعتباره جزءاً من مسار عقوبات على الدولة السورية تبقى في خانة التكهنات السياسية، لا في نطاق القانون الدولي.

الفصل السابع دون أثر إلزامي

وفق الإجراءات الرسمية المنشورة على موقع الأمم المتحدة، تُقدَّم طلبات الشطب عادةً عبر لجنة العقوبات 1267 أو ميسّر مختص يراجع الأدلة ويُعلن التوصية. لكن في الحالة السورية، جاء شطب اسمَي أحمد الشرع وأنس خطاب عبر قرار سياسي مباشر من مجلس الأمن بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية—وهو نهج غير معتاد إجرائياً—كما أكدت مصادر أممية لمنصّة تأكد.

وبحسب المصادر لا يتضمن النص أي تدبير ملزم أو صيغة امتثال رغم اقراره بحسب الفصل السابع، إذ لا يحتوي على آلية التراجع “سناب باك” كما في الملف الإيراني في حال عدم الالتزام بمخرجات القرار. ويقول المصدر الأممي: “المجلس لم يتخذ أي خطوة تقييدية، ولا توجد مشكلة أمنية تستدعي إجراءات جديدة… كل ما فعله هو شطب الاسمين وتفسير أسبابه”. وبذلك يظهر أن الشطب ذو بعد سياسي في توقيته، لكنه تقني في أثره.

كما تشير المصادر الأممية التي تحدثت للمنصّة إلى أن القرار لا يفرض على سوريا أي واجب قانوني جديد، لكنه يترك لمجلس الأمن حقّ النظر في الملف مجدداً إن طرأت ظروف تستدعي ذلك. هذا الحق لا يمثل مساراً تلقائياً لإعادة العقوبات، بل احتمالاً سياسياً يستوجب توافقاً داخل المجلس.

 ويوضح مصدر دبلوماسي أممي لتأكد أن القرار “هو اعتراف بخطوات اتخذتها القيادة السورية الجديدة، وتذكير بأن مزيداً من العمل قد يكون مطلوباً، وتأكيد على قدرة المجلس على التدخل إن لزم الأمر”. ومع ذلك، تشدد المصادر السابقة على أن أي تدبير مستقبلي سيكون سياسياً بالكامل—ضغط دبلوماسي أو اعتبارات سياسية للدول الاعضاء—وليس إجراءً قانونياً يتبع للقرار نفسه، لأن النص لا يحتوي شروطاً، ولا مراجعة، ولا التزامات مقابل رفع، بل يكتفي بتسجيل السياق الذي استند إليه الشطب.

و تؤكد الخبيرة في القانون الدولي وآليات عمل الأمم المتحدة أن صدور القرار تحت الفصل السابع “لا يمنحه قوة إلزامية تجاه سوريا لأنه لا يأمرها بشيء”. وتضيف: “لا إصلاحات، لا تعاون، لا تقارير، ولا تهديد بعقوبات… ولا يمكن مخالفة القرار لأنه لا يحتوي واجباً أصلاً”. وتوضح أن الالتزام الوحيد هو تحديث القوائم الداخلية للدول ليعكس حذف الاسمين، وهو إجراء مستند إلى قرارات قديمة، لا علاقة له بقرار 2799.

و يُظهر القرار 2799 (2025) عند تفكيكه قانونياً وسياسياً أنّ الجدل الذي رافقه كان أكبر بكثير من وزنه الفعلي. فالوثيقة لم تُنشئ مسار عقوبات على الدولة السورية، ولم تُدخلها تحت ترتيب جديد من ترتيبات الفصل السابع، بل قامت بخطوة تقنية محصورة في شطب رئيس الجمهورية ووزير داخليته من لائحة عقوبات الأفراد. وأكدت المصادر الأممية التي تحدثت لمنصّة تأكد أن النص لا يتضمن أي التزام، ولا يفرض تعاوناً، ولا يحمل أثراً يمكن لسوريا “مخالفته”. كما شددت على أن المجلس وحده صاحب الولاية المستقبلية على الملف، وأن أي افتراضات خارج هذا الإطار تبقى تحليلات سياسية لا تعكس مضمون القرار.

الفجوة بين القانون والتكهن

يعكس الجدل الذي رافق القرار 2799 ظاهرة أعمق من القرار نفسه: نزعة سورية متجذّرة لقراءة كل إشارة أممية كعلامة على مصير شامل، حتى حين يكون النصّ قانونياً محدود الأثر. فمجرد ورود عبارة “تحت الفصل السابع” كان كافياً لإطلاق موجة من التكهنات التي انتقلت بسرعة من تفسيرات تقنية إلى سيناريوهات كارثية حول العقوبات، والانهيار، والتدخلات الدولية. هذا النمط من التلقي لا يرتبط بالقرار بقدر ما يعكس بيئة سياسية مضطربة، اعتاد فيها الناس أن تُحمَّل القرارات أكبر مما تحتمل، وأن يسبق الخوفُ الفهمَ.

وهنا يبرز السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن لمشهد عام مشحون بالتكهنات والمخاوف أن يستمر في إنتاج قراءة سياسية مضطربة، بينما تظلّ الوقائع القانونية أكثر بساطة بكثير؟

Aa
18

ذو صلة

تأكدAI